ثم يقول ابن عربي:{مما خطيئاتهم}[نوح: ٢٥] . فهي التي خطت بهم، فغرقوا في بحار العلم بالله. {فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارًا}[نوح: ٢٥] . فكان الله عين أنصارهم، فهلكوا فيه إلى الأبد " (ص٣٣) ، ثم يحرف قول الله تعالى:{إنك إن تذرهم يضلوا عبادك}[نوح: ٢٧] . قائلًا: " أي يحيروهم، فيخرجوهم من العبودية إلى ما هم فيه من أسرار الربوبية، فينظرون أنفسهم أربابًا بعدما كانوا عند أنفسهم عبيدًا، فهم العبيد الأرباب " (ص٧٤) .
فيجعل ضلال قوم نوح إنما هو حيرة، لأنهم عرفوا أسرار الربوبية، وأن كل موجود هو الله، فأصبحوا بذلك أربابًا عند أنفسهم. .
ثم يحرف كلمات الآية الباقية فيجعل {رب اغفر لي}[نوح: ٢٨] . وهو بقية كلام نوح أي استرني، {ولوالدي}[نوح: ٢٨] . يعني العقل والطبيعة و {لمن دخل بيتي}[نوح: ٢٨] . يعني قلبي، {وللمؤمنين}[نوح: ٢٨] . أي العقول. {والمؤمنات}[نوح: ٢٨] . أي النفوس {ولا تزد الظالمين}[نوح: ٢٨] . أي أهل الغيب، {إلا تبارًا}[نوح: ٢٨] . أي هلاكًا، فلا يعرفون نفوسهم لشهودهم وجه الحق دونهم، ثم يقول بعد ذلك: " ومن أراد أن يعرف أسرار نوح فعليه بالرقي في فلك نوح، وهو في (التنزلات الموصلية) لنا والله يقول الحق " ا. هـ (ص٧٤) .
٣ ـ لم يكتف ابن عربي بتصحيح موقف قوم نوح الضالين المكذبين، بل عمد إلى جميع كفار الأرض فجعلهم مؤمنين موحدين عارفين واصلين، وعمل إلى المسلمين فجعلهم مؤمنين بجزء من الحق فقط كافرين بأجزاء أخرى، ولم ينس ابن عربي فرعون اللعين الذي لم تعرف الأرض قبله أكفر منه ولا أظلم، فجعله من المؤمنين الموحدين الفائزين بالجنة حيث يقول:
" ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف، وإن جار في العرف الناموسي، لذلك قال:{أنا ربكم الأعلى}[الذاريات: ٢٤] . أي وإن كان الكل أربابًا بنسبة ما فأنا ربكم الأعلى منهم، بما أعطيته في الظاهر من التحكم فيكم، ولما علمت السحرة صدقه في مقاله لم ينكروه، بل أقروا له بذلك، فقالوا:{إنما تقضي هذه الحياة الدنيا}[طه: ٧٢] . {فاقض ما أنت قاض}[طه: ٧٢] . فالدولة لك، فصح قوله:{أنا ربكم الأعلى}[الذاريات: ٢٤] . (ص٢١٠، ٢١١) .