قال نوح في حكمته لقومه:{يرسل السماء عليكم مدرارًا}[نوح: ١١] . وهي المعارف العقلية في المعاني والنظر الاعتباري، {ويمددكم بأموال}[نوح: ١١] . أي بما يميل بكم إليه، فإذا مال بكم إليه رأيتم صورتكم فيه، فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرفه، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه فهو العارف " (ص٧١) .
فانظر كيف جعل المطر والخصب الذي هو نتيجة للصلاح والتقوى والإيمان والاستغفار والمعارف العقلية. . وكيف جعل الأموال أي ما يميل بهم إليه فيرون صورتهم فيه، وهذه هي وحدة الوجود، ولذلك يقول بعدها: " فمن تخيل أنه رآه فما عرف وأما من رأى نفسه فهو العارف ".
ثم يقول:{ومكروا مكرًا كبارًا}[نوح: ٢٢] . لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو، أدعو إلى الله فهذا عين المكر، فأجابوه مكرًا كما دعاهم (ص٧٢) ، فانظر كيف جعل الدعوة إلى الله مكرًا بالمدعوين، بل عين المكر ثم بين نوع المكر الذي قابل قوم نوح نوحًا، فيقول: " فقالوا في مكرهم: لا تذرن آلهتكم، ولا تذرن ودًا ولا سواعًا، ولا يغوث ويعوق ونسرًا، فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبود وجهًا يعرفه من يعرفه، ويجهله من يجهله. .، فما عبد غير الله في كل معبود " (ص٧٢) .
وبهذا يجعل ابن عربي تلك الآلهة الباطلة التي عبدها قوم نوح آلهة حقة، لأنها في زعمه وجه من وجوه الحق.
ثم يقول مكملًا تبديل آيات الله:{ولا تزد الظالمين}[نوح: ٢٤، ٢٨] . لأنفسهم (المصطفين) الذين أورثوا الكتاب أول الثلاثة، فقدمه على المقتصد والسابق {إلا ضلالًا}[نوح: ٢٤] . إلا حيرة " (ص٧٣) .
وهنا يجعل ابن عربي قول الله في شأن قوم نوح:{ولا تزد الظالمين إلا ضلالًا}[نوح: ٢٤] . وهو الدعاء الذي دعا به نوح على قومه، يجعل ابن عربي هذا الظلم كالظلم الذي وصف الله به طائفة من الذين أورثهم الكتاب حيث قال:{ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} فيجعل هذا الظلم كذاك الظلم،