وبعد هذه المقدمة أعود إلى سياق البحث، وهو أن أجرأ الناس في إظهار العقيدة الباطنية للفكر الصوفي كان الحسين بن منصور الحلاج، وهذه الجرأة هي التي أدت بعد ذلك إلى القتل والصلب، ولقد كان هناك من المتصوفة من هم على عقيدته ولكنهم كتموا. يقول الشبلي:
" كنت أنا والحسين بن منصور شيئًا واحدًا، إلا أنه أظهر وكتمت "(الحلاج لطه عبد الباقي سرور) ، ومن أبرز ما صرح به الحلاج عن المعتقد الباطن للتصوف ما أنقله بنصه عن كتاب الطواسين للحلاج (نشر لويس ماسنيون) قال الحلاج (طاسين الأزل والالتباس) .
" ما صحت الدعاوي لأحد إلا إبليس وأحمد، غير أن إبليس سقط عن العين، وأحمد كشف له عن عين العين، قيل لإبليس: اسجد، ولأحمد: انظر. هذا ما سجد وأحمد ما نظر، ما التفت يمينًا ولا شمالًا، {ما زاغ البصر وما طغى}[النجم: ١٧] . أما إبليس فإنه دعا لكنها ما رجع عن حوله، وأحمد ادعى ورجع عن حوله بقوله:(بك أحول وبك أصول) وبقوله: (يا مقلب القلوب) وقوله: (لا أحصي ثناء عليك) .
وما كان في أهل السماء موحد مثل إبليس، حيث إبليس تغير عليه العين، وهجر الألحاظ في السير، وعبد المعبود على التجريد، ولُعن حين وصل إلى التفريد، وطُلب حين طلب المزيد.
فقال له:(اسجد) قال: " لا غير " قال له: (وإن عليك لعنتي) قال: " لا غير "، مالي إلى غيرك سبيل، وإني محب ذليل، قال له:(استكبرت) قال: لو كان لي معك لحظة لكان يليق بي التكبر والتجبر، وأنا الذي عرفتك في الأزل (أنا خير منه) لأن لي قدمة في الخدمة، وليس في الكونين أعرف مني بك، ولي فيك إرادة، إرادتك في سابقة، إن سجدت لغيرك، فإن لم أسجد لا بد من الرجوع إلى الأصل، لأنك خلقتني من النار، والنار ترجع إلى النار، ولك التقدير والاختيار، تيقنت أن القرب والبعد واحد! ! " ثم يستطرد الحلاج قائلًا:
" التقى موسى وإبليس على عقبة الطور، فقال له: يا إبليس ما منعك