للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكان لم يعظمه الشرع شر من تعظيم زمان لم يعظمه، فإن تعظيم الأجسام بالعبادة عندها أقرب إلى عبادة الأوثان من تعظيم الزمان، حتى إن الذي ينبغي تجنب الصلاة فيها (١) وإن كان المصلي لا يقصد تعظيمها، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى تخصيصها بالصلاة فيها، كما ينهى عن الصلاة عند القبور المحققة، وإن لم يكن المصلي يقصد الصلاة لأجلها. وكما ينهى عن إفراد الجمعة وسرر شعبان بالصوم، وإن كان الصائم لا يقصد التخصيص بذلك الصوم، فإن ما كان مقصودا بالتخصيص، مع النهي عن ذلك، ينهى عن تخصيصه أيضا بالفعل.

وما أشبه هذه الأمكنة بمسجد الضرار الذي (٢) أسس على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم. فإن ذلك المسجد لما بني ضرارا وكفرا، وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل، نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيه، وأمر بهدمه.

وهذه المشاهد الباطلة إنما وضعت مضاهاة لبيوت الله، وتعظيما لما لم يعظمه الله، وعكوفا على أشياء لا تنفع ولا تضر، وصدًا للخلق عن سبيل الله، وهي عبادته وحده لا شريك له بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تسليما، واتخاذها عيدا هو الاجتماع عندها واعتياد قصدها، فإن العيد من المعاودة.

ويلتحق بهذا الضرب -لكنه ليس منه- مواضع يدعى لها خصائص لا تثبت، مثل كثير من القبور التي يقال إنها قبر نبي، أو قبر صالح، أو مقام نبي، أو صالح، ونحو ذلك، وقد يكون ذلك صدقا، وقد يكون كذبا. وأكثر المشاهد التي على وجه الأرض من هذا الضرب. فإن القبور الصحيحة والمقامات الصحيحة قليلة جدا. وكان غير واحد من أهل العلم يقول: لا يثبت


(١) في (ج د) : عندها.
(٢) في (ط) : التي.

<<  <  ج: ص:  >  >>