في الرطانة لنا وقفة عند ما يسميه المؤلف "الرطانة"، وهو تعلم المسلمين وتكلمهم بغير اللغة العربية، وهذه المسألة من القضايا الملحة التي تواجه المسلمين في هذا العصر، والتي تحتاج إلى بحث طويل، واستجلاء للحكم الشرعي المفصل فيها، ولست هنا أنتزع ولا أصدر أحكامًا، بقدر ما أستخلص فوائد وتوجيهات من كلام المؤلف في هذا الموضوع، الذي يبين لنا الحكم العام، ومواقف السلف نحو اللغات الأخرى، وآثارها على دين المسلمين ومعتقدهم.
فقد بيَّن لنا أن للصحابة مواقف معروفة نحو ذلك، تتمثل بقول عمر:"إياكم ورطانة الأعاجم" فكانوا يكرهون أن يتكلم المسلم بغير العربية على وجه الاعتياد والدوام، ولغير ضرورة.
أما عند الحاجة والضرورة، وما تقتضيه مصلحة المسلمين العامة، فإن ذلك جائز، وقد جاءت السنة به، فقد «أمر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم زيد بن ثابت أن يتعلم السريانية» ، لغة يهود، ليقرأ في كتبهم، ويكتب بها إليهم، ويترجم كلامهم، ويأمن مكرهم.
كما كان الخلفاء الراشدون يفعلون ذلك، وكتبوا الدواوين بغير العربية، إلى أن صارت القدرة على تعريبها، وكان المسلمون مضطرين لمخاطبة الشعوب التي دخلت الإسلام بعد الفتوح بلغاتها كذلك.