للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد الثلاثة، ونحو ذلك كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها؛ لأنها الأوقات التي يقصد المشركون بركة الصلاة للشمس فيها فينهى المسلم عن الصلاة حينئذ - وإن لم يقصد ذلك - سدا للذريعة.

فأما إذا قصد الرجل الصلاة عند بعض قبور الأنبياء والصالحين، متبركا بالصلاة في تلك البقعة، فهذا عين المحادة لله ورسوله، والمخالفة لدينه، وابتداع دين لم يأذن به الله، فإن المسلمين قد أجمعوا على ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أن الصلاة عند القبر - أي قبر كان - لا فضل فيها لذلك، ولا للصلاة في تلك البقعة مزية خير أصلا، بل مزية شر.

واعلم أن تلك البقعة وإن كان قد تنزل عندها الملائكة والرحمة، ولها شرف وفضل، لكن دين الله تعالى بين الغالي فيه والجافي عنه.

فإن النصارى عظموا الأنبياء حتى عبدوهم، وعبدوا تماثيلهم، واليهود استخفوا بهم حتى قتلوهم، والأمة الوسط عرفوا مقاديرهم؛ فلم يغلوا فيهم غلو النصارى، ولم يجفوا عنهم جفاء اليهود، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» (١) . فإذا قدر أن الصلاة هناك توجب من الرحمة أكثر من الصلاة في غير تلك البقعة كانت المفسدة الناشئة من الصلاة هناك تربي (٢) . على هذه (٣) .


(١) أخرجه البخاري عن عمر بن الخطاب في أكثر من موضع. انظر: كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا الحديث رقم (٣٤٤٥) ، من فتح الباري (٦ / ٤٧٨) .
(٢) في المطبوعة: تربو، من ربا. وتربي: من أربى، وكلاهما بمعنى: زاد. قال تعالى: وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ. انظر: لسان العرب، مادة (ربا) (١٤ / ٣٠٤) .
(٣) في (ط) : زاد: الصلاة. وهو خلط من الناسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>