متّقيا لشرّ من فشل وفزع. ومن مخبر عنه طباعا كأنّه محمول عليه غير متمكّن من غيره وذلك من دواعي الشرارة وخبث مخابىء الطبيعة. ومن مخبر عنه جهلا، وهو المقلّد للمخبرين وإن كثروا جملة أو تواتروا فرقة بعد فرقة فهو وهم وسائط فيما بين السامع وبين المتعمّد الأوّل، فإذا أسقطوا عن البين بقي ذاك الأوّل أحد من عددناه «١» من التخرّصين والمجانب للكذب المتمسّك بالصدق هو المحمود الممدوح عند الكاذب فضلا عن غيره، فقد قيل «قولوا الحقّ «٢» ولو على أنفسكم «٢» » وقال المسيح عليه السّلام في الإنجيل ما هذا معناه: «٣» لا تبالوا بصولة الملوك في الإفصاح بالحقّ بين أيديهم فليسوا يملكون منكم غير البدن، وأمّا النفس فليس لهم عليها يد «٣» وهذا منه أمر بالتشجّع الحقيقيّ، فالخلق الذي تظنّه العامّة شجاعة إذا رأوا إقداما على المعارك وتهوّرا في خوض المهالك هو نوع منها، فأمّا جنسها العالي على أنواعها فهو الاستهانة بالموت، ثم سواء كانت في قول أو كانت في فعل، وكما أنّ العدل في الطباع مرضيّ محبوب لذاته مرغوب في حسنه كذلك الصدق إلّا عند من لم يذق حلاوته أو عرفه وتحاماه كالمسؤول من المعروفين بالكذب: هلّ صدقت قطّ؟ وجوابه: لولا أنّي أخاف أن أصدق لقلت لا، فإنّه العادل عن العدل والمؤثّر للجور وشهادة الزور وخيانة الأمانة واغتصاب «٤» الأملاك بالاحتيال والسرقة وسائر ما به فساد العالم والخليقة. وكنت ألفيت الأستاذ أبا سهل «٥» عبد المنعم بن عليّ ابن نوح التفليسيّ أيّده الله مستقبحا قصد الحاكي في كتابه عن المعتزلة الإزراء عليهم في قولهم: «إنّ الله تعالى عالم بذاته» ، وعبارته عنه في الحكاية أنّهم يقولون إنّ الله لا علم له تخييلا إلى عوامّ قومه أنّهم ينسبونه إلى الجهل، جلّ وتقدّس عن ذلك وعمّا لا يليق به من