ويفسد الكتاب في نقل له او نقلين ويصير ما فيه لغة جديدة لا يهتدي لها داخل أو خارج من كلتي الأمّتين، ويكفيك معرّفا أنّا ربّما تلقفنا من أفواههم. اسما واجتهدنا في التوثقة منه فاذا أعدناه عليهم لم يكادوا يعرفونه إلا بجهد؛ ويجتمع في لغتهم كما يجتمع في سائر لغات العجم حرفان ساكنان وثلاثة وهي التي يسمّيها أصحابنا متحرّكات بحركة خفيّة، ويصعب علينا التفوّه بأكثر كلماتها وأسمائها لافتتاحها بالسواكن؛ وكتبهم في العلوم مع ذلك منظومة بأنواع من الوزن في ذوقهم قد قصدوا بذلك انحفاظها على حالها وتقديرها وسرعة ظهور الفساد فيها عند وقوع الزيادة والنقصان ليسهل حفظها فإنّ تعويلهم عليه دون المكتوب، ومعلوم أنّ النظم لا يخلو من شوب التكلّف لتسوية الوزان وتصحيح الانكسار وجبر النقصان، ويحوج إلى تكثير العبارات، وهو أحد أسباب تقلقل الأسامي في مسمّياتها؛ فهذا من الأسباب التي تعسّر الوقوف على ما عندهم. ومنها أنهم يباينوننا بالديانة مباينة كلّيّة لا يقع منّا شيء من الإقرار بما عندهم ولا منهم بشيء مما عندنا، وعلى قلّة تنازعهم في أكر المذاهب بينهم بما سوى الجدال والكلام دون الإضرار «١» بالنفس أو البدن أو الحال ليسوا مع من عداهم بهذه الوتيرة وإنما يسمّونه «مليج» وهو القذر لا يستجيزون مخالطته في مناكحة ومقاربة او مجالسة ومؤاكلة ومشاربة من جهة النجاسة، ويستقذرون ما تصرّف على مائه وناره وعليهما مدار المعاش، ثمّ لا مطمع في صلاح ذلك بحيلة كما يطهر النجس بالانحياز إلى حال الطهارة، فليس بمطلق لهم قبول من ليس منهم إذا رغب فيهم أو صبا إلى دينهم، وهذا ممّا يفسخ كلّ وصلة ويوجب أشدّ قطيعة. ومنها أنّهم يباينوننا في الرسوم والعادات حتى كادوا أن يخوّفوا ولدانهم بنا وبزيّنا وهيآتنا وينسبوننا إلى الشيطنة وإيّاها إلى عكس الواجب وإن كانت هذه النسبة لنا مطلقة وفيما بيننا بل وبين الأمم بأسرهم مشتركة؛ وعهدي ببعضهم وهو ينقم منّا بأنّ أحد ملوكهم هلك على يد عدو