يرى إلّا القطب الذي في جهته ويخفى عنه الذي في خلاف جهته؛ فهذه أقاويلهم في كرّيّة السماء والأرض وما بينهما وكون الأرض في وسط العالم بمقدار صغير جدّا عند المرئيّ من السماء، وهي مبادئ علم الهيئة التي يتضمّنها المقالة الأولى، من المجسطي وما شابهها من سائر الكتب وإن لم تكن بالتحصيل والتهذيب الذي نذهب إليه، وذلك أنّ الأرض أثقل من الماء والماء سيّال كالهواء والشكل الكريّ للأرض بالضرورة طبيعيّ إلّا أن يخرجها عنه أمر إلهيّ، فليس بممكن أن يتنّحى الأرض نحو الشمال والماء نحو الجنوب حتى يكون نصف الجملة يبسا ونصفها ماء إلّا بعد تجويف اليابس، وأمّا نحن فوجودنا الاستقرائيّ يقتضي اليبس في أحد ربعيها الشماليّين ونتفرّس لأجله في الربع المقاطر له مثل ذلك ونجوّز جزيرة «بروامخ» ولا نوجبها لأنّ أمرها وأمر ميرو خبريّ؛ وأمّا خطّ الاستواء فليس في الربع المعلوم عندنا على الفصل المشترك بين البرّ والبحر فإنّ البرّ يزاحم البحر في مواضع فيدخله دخولا يتجاوز به خطّ الاستواء كبراريّ «سودان» المغرب لأنّها ناطحت البحر ودخلت فيه إلى مواضع وراء جبال القمر ومنابع النيل، لم نتحقّقها لأنّها من جهة البرّ قفرة غير مسلوكة ومن جهة البحر وراء سفالة الزنج كذلك، لم يرجع منها سفينة غرّرت بنفسها حتى تخبر بما شاهدت، وكذلك يدخله من أرض الهند فوق بلاد السند قطعة عظيمة يتخيّل فيها أنّها تجاوز خطّ الاستواء إلى الجنوب، وفيما بين ذلك أرض العرب واليمن على هذه الصورة من غير إيغال في البحر تجاوز به خطّ الاستواء، وكما أنّ البرّ يلج في البحر كذلك البحر يلج في البرّ ويخرقه في مواضع ويصيّره أغبابا وخلجانا «١» كما بسط عن غرب أرض العرب لسانا إلى قرب واسطة الشام واستدقّ عند القلزم فعرف به وآخر أعظم منه عن شرق أرضهم يعرف ببحر «فارس» ، وانعطف أيضا فيما بين أرضي الهند والصين انعطافا إلى الشمال كثيرا، فخرج شكل الساحل بذلك عن أن يلزم خطّ الاستواء أو أن يكون على بعد