الأسرار» : إن الحواريين لمّا علموا أنّ النفوس لا تموت وأنّها في الترديد منقلبة إلى شبه كل صورة هي لابسة لها ودابّة جبلت فيها ومثال كلّ صورة أفرغت في جوفها سألوا المسيح عن عاقبة النفوس التي لم تقبل الحقّ ولم تعرف أصل كونها فقال:
أيّ نفس ضعيفة لم تقبل قرائنها من الحقّ فهي هالكة لا راحة لها، وعنى بهلاكها عذابها لا تلاشيها فإنّه قال ايضا: قد ظنّ «الديصانية» أنّ عروج نفس الحياة وتصفيتها هو في جيفة البشر ولم يعلموا عداوة الجيفة النفس ومنعها إيّاها عن العروج وأنّها لها حبس وعذاب مؤلم ولو كانت صورة البشر هذه حقّا لم يدعها خالقها أن تبلى وتحدث فيها المضرّة ولم يحوجها إلى التناسل بالنطف في الأرحام وأمّا في كتاب «باتنجل» فقد قيل: إنّ مثال النفس فيما بين علائق الجهل التي هي دواعي الرباط كالأرزّ «١» في ضمن قشرة فإنه ما دام معه كان معدا للنبات والاستحصاد متردّدا بين التولّد والايلاد فإذا أزيل القشر عنه انقطعت تلك الحوادث عنه «٢» وصار له «٢» البقاء على حاله، وأمّا المكافاة فوجودها في أجناس الموجودات التي يتردّد النفس فيها بمقدار العمر في الطول والقصر وبصورة النعمة في الضيق والسعة، قال السائل: كيف يكون حال الروح إذا حصلت بين الأجور والآثام ثم اشتبكت بجنس المواليد للإنعام أو الانتقام؟ قال المجيب: تردّد بحسب ما قدّمت واجترحت فيما بين راحة وشدّة وتصرّف بين ألم ولذّة، قال السائل: إذا اكتسب الإنسان ما يوجب المكافاة في قالب غير قالب الاكتساب فقد بعد العهد فيما بين الحالين ونسي الأمر؟ قال المجيب: العمل ملازم للروح لأنّه كسبها والجسد آلة لها ولا نسيان في الأشياء النفسانية فإنها خارجة عن الزمان الذي يقتضي القرب والبعد في المدّة والعمل بملازمته الروح يجبل خلقها وطباعها إلى مثل الحال التي