سائر الاختلافات في كثرة النعم وقلّتها وتواتر الآفات وعدمها ممّا يدعو المتمدّنين الى اختيار الأمكنة لبناء المدن من أجلها، وهذا بسبب الرسوم الجارية، لكنّ الأوامر الشرعيّة أقوى منها وأغلب على الطباع من الرسوم والعادات، ألا ترى أنّ علل هذه مطلوبة وهي بحسبها مأخوذة أو مرفوضة وعلل تلك متروكة غير مطلوبة يتمسّك بها الأكثرون تقليدا، ولا يحتجّون فيه بأكثر ممّا يحتجّ به ساكن البقعة النكدة اذا ولد بها ولم يشاهد غيرها من حبّ الوطن وصعوبة النقلة عن المسكن، ثمّ اذا كان تفاضل البقاع من جهة أمر ملّيّ فقد حصل عند العاملين به ما لا ينقلع عن افئدتهم الى الأبد؛ وللهند مواضع تعظّم من جهة الديانة مثل بلد «بارانسي» ، فإنّ زهّادهم يقصدونه ويلزمونه لزوم مجاوري الكعبة مكّة، ويحرصون على أن تأتيهم «١» فيه آجالهم لتكون عقباهم بعد الموت خيرا، ويقولون أنّ سافك الدم مأخوذ بذنبه مكافي على حوبه الّا أن يدخل بلد بارانسي فينال فيه العفو والغفران، ويزعمون في سببه: أنّ «براهم» كان ذا أربعة أرؤس في الصورة، وأنّه وقع بينه وبين «شنكر» وهو «مهاديو» شرّ تأدّت المنازعة بينهما فيه الى اقتلاع أحد تلك الأرؤس منه، وكانت العادة وقتئذ أن يتّخذ رأس المقتول بيد القاتل ويبقى معلّقا منها للخزي والعلامة، وكذلك التحم «٢» فخفّ رأس براهم بيد مهاديو وكان يطوف به في مقاصده ومتصرّفاته، لا يزايله فيما دخل من البلاد الى أن بلغ بارانسي، وسقط الرأس من يده لمّا دخله وبان عنها؛ ومن أمثال تلك البلاد «بوكر» ، وسببه: أنّ براهم كان يقيم فيه للنار قربانا فخرج منها خنزير، ولذلك جعلوا صنمه على صورة خنزير، وعمل خارج البلد في ثلاثة مواضع منه حياض مبجّلة هي متعبّدات، ومنها «تانيشر» ويسمّى «كركيتر» أي أرض «كر» وكان رجلا فلّاحا زاهدا صالحا، يعمل العجائب بالقوّة الإلهيّة، فنسبت الأرض