ورخصة وإنّما هو تشديد وتضييق، وسمعت غير هؤلاء يقولون انّ البراهمة كانت تتاذّى بأكل لحمان البقر، لأنّ بلادهم جروم وبواطن الأبدان فيها باردة والحرارة الغريزيّة فيها فاترة والقوّة الهاضمة ضعيفة يقوّونها بأكل اوراق التنبول عقب الطعام ومضغ الفوفل، فيلهب التنبول بحدّته الحرارة وينشف ما عليه من النورة البلّة ويشدّ الفوفل الأسنان واللثة ويقبض المعدة، ولمّا كان كذلك حظروه للغلظ والبرودة، وأنا اظنّ في ذلك احد امرين، امّا السياسة فإنّ البقر هي الحيوان الذي يخدم في الأسفار بنقل الأحمال والأثقال وفي الفلاحة بالكرب والزراعة وفي الكذخذاهيّة بالألبان وما يخرج منها، ثمّ ينتفع بأخثائه بل في الشتاء بأنفاسه، فحرّم كما حرّمه الحجّاج لمّا شكى اليه خراب السواد، وحكى لي انّ في بعض كتبهم: انّ الأشياء كلّها شيء واحد وفي الحظر والإباحة سواسية، وإنّما تختلف بسبب العجز والقدرة، فالذئب يقتدر على حطم الشاة فهي اكلته والشاة تعجز عنه وقد صارت فريسته، ووجدت في كتبهم ما شهد بمثله إلّا انّ ذلك يكون للعالم بعلمه اذا حصل فيه على رتبة يستوي فيها عنده البرهمن و «جندال» وإذا كان كذلك استوت عنده ايضا سائر الأشياء في الكفّ عنها، فسواء كانت كلّها حلالا اذ هو مستغن «١» عنها او كانت حراما فإنّه غير راغب فيها، فأمّا من له فيها ارب باستحواذ الجهل عليه فبعض له حلال وبعض عليه محرّم والسور بينهما مضروب.