على عبادته فبهذا تنالون الخلاص دون غيره، وقد قيل في «كيتا» : من أمات شهوته لم يتجاوز الحاجات الاضطراريّة ومن لزم الكفاف لم يختز ولم يسترذل، وقيل فيه أيضا: إن كان الإنسان غير مستغن عمّا تضطرّ الطبيعة إليه من مطعوم يسكّن نائرة المسغبة ونوم يزيل عادية الحركات المتعبة ومجلس يهدأ فيه فمن شريطته النظافة والوثارة والتوسّط في الارتفاع عن وجه الأرض والكفاية من انبساط البدن عليه وموضع معتدل المزاج غير مؤذ ببرد أو وهج مأمون فيه اقتراب الهوامّ فإن ذلك معين على تحديد القلب لإدامة الفكرة في الوحدانيّة لأنّ ما عدا الضروريّات في المأكول والملبوس ملاذّ وهي شدائد مستورة والاسترواح إليها منقطع وإلى أشقّ مشقّة مستحيل وما اللّذة إلّا لمن أمات العدوّين اللذين لا يطاقان أعني الشهوة والغضب في حياته دون مماته واستراح من داخله دون خارجه فاستغنى عن حواسّه، وقال «باسديو، لأرجن» : إنّ كنت تريد الخير المحض فاحرس أبواب بدنك التسعة واعرف الوالج فيها والخارج واحبس فؤادك عن نشر أفكاره وسكّن النفس بتذكّر كوّة اليافوخ التي انسدّت واشتدّت بعد لينها فلم يحتج اليها ولا تر الإحساس إلّا طباعا في آلات الحواسّ حتى لا تتبعه، والقسم الثاني الغفليّ بمعرفة سوءة الموجودات المتغيّرة والصور الفانية حتى ينفر القلب عنها وينقطع الطمع دونها ويحصل الاعتلاء على القوى الثلاث الأول التي هي سبب الأعمال واختلافها، وذلك أنّ المحيط بأحوال الدنيا يعلم أنّ خيرها شرّ وراحتها مستحيلة في المكافاة إلى شدة فيعرض عمّا يؤكّد الارتباك ويولد المقام، وفي كتاب «كيتا» : إنّ الناس قد ضلّوا في الأوامر والنواهي ولم يهتدوا لتمييز الخير من الشرّ في الأعمال فتركها والتخلّي عنها هو العمل، وفيه أيضا: إنّ طهارة العلم تفوق طهارة سائر الأشياء لأنّ بالعلم استئصال الجهل واستبدال اليقين بالشكّ الذي هو مادّة العذاب فلا راحة لشاكّ؛ ومعلوم من ذلك أنّ القسم الأوّل آلة للقسم الثاني ثم القسم الثالث أولى أن يكون آلة لكليهما وهو العبادة ليوفّق الله لنيل الخلاص ويؤهّل لقالب ينال فيه التدرّج إلى السعادة، وقد قسم العبادة صاحب كيتا على