الكلّيّة فتتضرّع لها إلى العقل والعقل إلى البارئ فيفيض من نوره عليه ويفيض العقل منه على النفس الكلّية وهي في هذا العالم فتستضيء به حتى تعاين الجزئيّة الكلّيّة وتتصل بها فتلحق بعالمها إلّا أنّ ذلك بعد دهور كثيرة تمرّ عليها ثمّ تصير الى حيث لا مكان ولا زمان ولا شيء ممّا في هذا العالم من تعب او سرور منقطع؛ وقال سقراط: النفس بذاتها تصير إلى القدس الدائم الحياة الثابت على الأبد بما فيها من المجانسة عند ترك التحيّز فتصير مثله في الدوام لأنّها منفعلة منه بشبه التماسّ ويسمّى انفعالها عقلا، وقال ايضا: النفس مشابهة جدّا للجوهر الإلهي الذي لا يموت ولا ينحلّ والمعقول الواحد الثابت على الأزل، والجسد «١» على خلافها، فإذا اجتمعا أمرت الطبيعة البدن أن يخدم والنفس ان ترأس، فإذا افترقا ذهبت النفس إلى غير مكان الجسد وسعدت بما يشبهها واستراحت من التحيّز والحمق والجزع والعشق والوحشة وسائر الشرور الإنسيّة، وذلك أنّها إذا كانت نقيّة وللجسد باغضة، وأمّا إذا انتجست بموافقة الجسد وخدمته وعشقه حتى تسخّر الجسد منها بالشهوات واللذّات فإنّها لا ترى شيئا أحقّ من النوع الجسميّ وملامسته؛ وقال «ابروقلس» : الجرم الذي حلّته النفس الناطقة قبل الشكل الكريّ كالأثير «٢» وأشخاصه والذي حلّته وغير الناطقة قبل الاستقامة كالانسان، والذي حلّته غير الناطقة فقط قبل الاستقامة بانحناء كالحيوانات غير الناطقة، والذي خلا عنهما ولم يوجد فيه غير القوّة الغاذية قبل الاستقامة وتمّ انحناؤه بالانتكاس وانغرس رأسه في الأرض كالحال في النبات، وإذ صار على خلاف الانسان فالانسان شجرة سماويّة أصلها نحو مبدئها وهو السماء كما صار أصل النبات نحو مبدئه وهو الأرض؛ وذهب الهند في الطبيعة إلى شبه من ذلك قال «ارجن» : كيف مثال براهم في العالم؟ قال «باسديو» : توهّمه شجرة «اشوت»«٣» وهي معروفة