للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)} (١).

يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته، بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود، وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة بأن جعل لهم الأرض فراشًا أي مهدًا كالفراش مقررة موطأة مثبتة بالرواسي الشامخات، والسماء بناءً، وهو السقف كما قال في الآية الأخرى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (٣٢)} (٢).

{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} والمراد به السحاب ههنا في وقته عند احتياجهم إليه، فأخرج به من أنواع الزروع والثمار ما هو مشاهد رزقًا لهم، ولأنعامهم كما قرر هذا في غير موضع من القرآن، ومن أشبه آية بهذه آية قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٦٤)} (٣) ومضمونه أنه الخالق الرزاق مالك الدار وساكنيها، ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده، ولا يشرك به غيره، ولهذا قال: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وفي الصحيحين (٤) عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك. . . " الحديث (٥).


(١) سورة البقرة الآيتان (٢١ - ٢٢).
(٢) سورة الأنبياء آية (٣٢).
(٣) سورة غافر آية (٦٤).
(٤) صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (٥/ ١٤٨).
وصحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمهما بعده (١/ ٩٠).
(٥) تفسير ابن كثير (١/ ٥٧).

<<  <   >  >>