لقد نهى الإسلام عن التنطّع والتشدّد والبحث فيما غاب عن علم الإنسان ممّا استأثر الله بعلمه، ومن ذلك البحث في سرّ القدر والتعمّق في النظر في دقائقه، لأن ذلك من الأمور التي استأثر الله بعلمها فلم يطلع عليها أحدًا من الخلق لا ملكًا مقرّبًا ولا نبيًا مرسلًا، ولهذا فإن التعمّق والجدل في القضاء والقدر من الخذلان، لأن المجادل فيه لا يدرك مراده، وكلّما احتجّ بحجة كسرتها أخرى، وربما أفضى به ذلك إلى الإلحاد والزيغ عن الطريق المستقيم، والخوض في القدر أوّل ظاهرة للشرك في هذه الأمّة كما يدلّ عليه ما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قيل لابن عباس: إن رجلًا قدم علينا يكذب بالقدر، فقال: دلّوني عليه، وهو يومئذ قد عمي، قالوا: وما تصنع به يا أبا عباس؟ قال: والذي نفسي بيده، لئن استمكنت منه لأعضنّ أنفه حتى أقطعه، ولئن وقعت رقبته في يدي لأدقنّها، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"كأني بنساء بني فهر يطفن بالخزرج، تصطفق ألياتهن مشركات، هذا أوّل شرك هذه الأمة، والذي نفسي بيده لينتهين بهم سوء رأيهم حتى يخرجوا الله من أن يكون قدّر خيرًا كما أخرجوه أن يكون قدّر شرًا"(١).
(١) أخرجه أحمد (١/ ٣٣٠)، وقال أحمد شاكر: إسناده حسن على الأقل. المسند تحقيق/ أحمد شاكر (٥/ ٢٢)، حديث رقم (٣٠٥٦).