للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في درجتين كل درجة تتضمّن مرتبتين، فقال: "والإيمان بالقدر على درجتين:

إحداهما: الإيمان أن الله تعالى سبق في علمه ما يعمله العباد من خير وشرّ وطاعة ومعصية قبل خلقهم وإيجادهم، ومن هو منهم من أهل الجنّة، ومن هو منهم من أهل النار، وأعدّ لهم الثواب والعقاب جزاء لأعمالهم قبل خلقهم وتكوينهم، وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه، وأن أعمال العباد تجري على ما سبق في علمه وكتابه.

والدرجة الثانية: أن الله خلق أفعال العباد كلها من الكفر والإيمان والطاعة والعصيان، وشاءها منهم، فهذه الدرجة يثبتها أهل السنّة والجماعة، وتنكرها القدرية، والدرجة الأولى أثبتها كثير من القدرية ونفاها غلاتهم كمعبد الجهني الذي سئل ابن عمر عن مقالته، وكعمرو بن عبيد (١) وغيره.

وقد قال كثير من أئمّة السلف: ناظروا القدرية بالعلم، فإن أقرّوا به خصموا، وإن جحدوا فقد كفروا، يريدون أن من أنكر العلم القديم السابق بأفعال العباد، وأن الله تعالى قسمهم قبل خلقهم إلى شقي وسعيد، وكتب ذلك عنده في كتاب حفيظ، فقد كذّب بالقرآن فيكفر بذلك، وإن أقرّوا بذلك وأنكروا أن الله خلق أفعال العباد وشاءها وأرادها منهم إرادة كونية قدرية فقد خصموا، لأن ما أقرّوا به حجّة عليهم فيما أنكروه (٢).


(١) عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان البصري المعتزلي القدري، قال الخطيب: "كان عمرو يسكن البصرة وجالس الحسن البصري، وحفظ عنه اشتهر بصحبته ثم أزاله واصل بن عطاء عن مذهب أهل السنّة، فقال بالقدر ودعا إليه واعتزل أصحاب الحسن، توفي سنة ١٤٤ هـ، وقيل غير ذلك".
تاريخ بغداد (١٢/ ١٦٢)، ووفيات الأعيان (٣/ ٤٦٠)، وميزان الاعتدال (٣/ ٢٧٣).
(٢) جامع العلوم والحكم (١/ ٦٠، ٦١).

<<  <   >  >>