كان الصحابة رضي الله عنهم حريصين على عدم مغادرة المدينة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لأن حبهم العظيم له جعلهم لا يقوون على الابتعاد عنه لذلك نجد المكثرين من رواية الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يخرجوا منها حتى توفي عليه الصلاة والسلام.
ولما بدأ عهد الفتوحات الإسلامية في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم بدأت رحلاتهم وخروجهم من المدينة، فانتشروا في الأمصار يحملون معهم حديث نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كلٌّ بحسبه فمنهم المكثر ومنهم المقل وقد يسمع أحدهم ما لم يسمعه الآخر، ويحفظ ما نسيه غيره.
ولذلك كانوا رضي الله عنهم هم أنفسهم يرحلون إلى بعضهم لسماع حديث من أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - اختص بسماعه واحد منهم دون سواه فهذا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاشتريت بعيرًا ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرًا، حتى قدمت عليه بالشام، فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ فقلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه، فاعتنقني واعتنقته، فقلت حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القصاص، فخشيت أن تموت، أو أموت قبل أن أسمعه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يحشر الناس يوم القيامة -أو قال العباد- عراة غرلًا بهمًا قال: قلنا وما بهمًا؟