للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد علم الصحابة رضي الله عنهم قدر هذا الكتاب العظيم فتمسكوا به وانكبوا عليه علمًا وعملًا وتعليمًا، وهكذا التابعون لهم بإحسان ولم يعرف عن أحد منهم أنه تكلم بشيء من الطرق الكلامية ولا المسائل الفلسفية (١).

وبعد انتهاء عصر الصحابة رضي الله عنهم ظهر ما يسمى بعلم الكلام وهو الجدال في الأمور الاعتقادية بالعقل بسبب الابتعاد عن الكتاب والسنة والتأثر بالأفكار والديانات القديمة، وازداد الأمر سوءًا في عهد المأمون (٢) بعد أن عربت كثير من الكتب اليونانية والرومانية إلى العربية (٣).

وقد قام أئمة الدين وأعلام الهدى بذم علم الكلام وبالغوا في ذمه وذم أهله وتضليلهم، ومنعوا من مجالستهم ومحادثتهم ومجادلتهم، وأمروا بهجرهم، والبعد عنهم، وأجمعوا على أنه من العلوم المحدثة المبتدعة التي كان لها أكبر الأثر في تفريق المسلمين وتشتيت وحدتهم.

يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: "روى ... ذم الكلام


(١) انظر: الخطط للمقريزي (٢/ ٣٥٦) وصون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام (ص ١٤).
(٢) المأمون أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي أحد خلفاء بني العباس، قرأ العلم والأدب والأخبار والعقليات وعلوم الأوائل، وأمر بتعريب كتبهم، ودعا إلى القول بخلق القرآن وحمل الناس عليه، وكان يجل أهل الكلام ويتناظرون في مجلسه، توفي سنة ٢١٨ هـ.
تاريخ بغداد (١٠/ ١٨٣) وسير أعلام النبلاء (١٠/ ٢٧٢) وشذرات الذهب (٢/ ٣٩).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (١١/ ٣٣٦) والتعريفات للجرجاني (١٨٥).

<<  <   >  >>