للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يعرف التصوف من نزول الوحي ولا بعده إلى أن انقرض عهد القرون المفضلة.

فلم يرد لفظ التصوف على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يؤثر عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم أنه عرف التصوف أو نطق به وكذا التابعون من أبناء الصحابة وأبناء أبنائهم وهم أهل القرون المفضلة المشهود لهم بالخيرية والفضل ثم ظهر بعد ذلك طبقة يغلب عليهم جانب العبادة والبعد عن الناس مع علمهم وفضلهم والتزامهم بآداب الإسلام ولكن قد يغلب على أحدهم الخوف الشديد والبكاء المستمر، ثم جاء من بعدهم فعملوا أمورًا ودعوا إليها ولم تكن عند الزهاد السابقين ومنها ترك الزواج وإدامة الجوع ومواصلة الصوم وهكذا تدرج هؤلاء ومن بعدهم إلى أن شرعوا لأنفسهم من الدين ما لم يأذن به الله.

يقول ابن الجوزي: "في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - كانت كلمة مؤمن ومسلم ثم نشأت كلمة زاهد وعابد ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد واتخذوا في ذلك طريقة تفردوا فيها هكذا كان أوائل القوم ولبّس عليهم إبليس أشياء ثم على من بعدهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن" (١).

وهكذا بدأ التصوف ينشأ ويقوى إلى أن أصبح فكرًا مستقلًا أخذ صبغة خالصة، وقد استغلت الباطنية هذا التصوف لنشر أفكارهم الإلحادية وأدخلوا في التصوف السماع والرقص بحجة أنه موصل إلى الله، وبلغوا فيه إلى حد الوقاحة حيث نشأ فيهم حب المرادن والغلمان.

وأنا أعني بهذا المتأخرين منهم، أما المتقدمون منهم فكانوا على جانب من الورع والعبادة والاعتدال.


(١) تلبيس إبليس (ص ١٦١).

<<  <   >  >>