للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأضاع نصيبه وتكلّف ما لا علم به (١)، وإن ناسًا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة، من غرس بنجم كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا وكذا، ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والطويل والقصير والحسن والدميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابّة وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب، ولو أن أحدًا علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وعلّمه أسماء كل شيء" (٢).

فالله سبحانه وتعالى خلق النجوم لهذه المنافع العظيمة، أما غير ذلك مما يدّعيه أهل هذا العلم من أنهم يستدلّون بحركات النجوم وطلوعها وغروبها على أحداث وأمور ستقع، فهذا كلّه من ادّعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وهو الذي حذّر منه قتادة رحمه الله تعالي في كلامه السابق، ولكن التعلّق بالكواكب وربط ذلك بما يحدث في الأرض بدأ يزداد في كل عصر حتى بلغ الغاية في عصرنا هذا، وأصبح ذلك من الأمور المسلّمة التي لا تقبل الجدل عند كثير من الناس، وهذا كلّه ضلال وشرك لأنه من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها، وبيّن أنها من الشرك لما فيها من التعلّق بغير الله تعالي، واعتقاد الضرّ والنفع في غيره وتصديق العرّافين والكهنة الذين يدّعون علم الغيب زورًا وبهتانًا، ويعبثون بعقول السذّج من الناس ليأخذوا أموالهم ويغيّروا عقائدهم.

قال الخطابي رحمه الله تعالى: "علم المنجوم المنهي عنه هو ما يدّعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في


(١) أخرجه إلى هذا القدر الطبري في تفسيره (٢٩/ ٣، ٤)، وذكره البخاري معلقًا في صحيحه (٤/ ٧٤).
(٢) أخرجه بهذه الزيادة الخطيب في كتاب النجوم ورقة (١٠)، وذكره ابن حجر في الفتح (٦/ ٢٩٥)، وصاحب تيسير العزيز الحميد (ص ٣٨٨) من قول قتادة.

<<  <   >  >>