للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمّوه بارحًا، وما استقبلهم منها فهو الناطح، وما جاءهم من خلفهم سمّوه القعيد، فمن العرب من يتشاؤم بالبارح ويتبرّك بالسانح، ومنهم من يرى خلاف ذلك" (١).

وقد جاء الإسلام بتطهير القلوب من كل شوائب الشرك التي منها التطيّر بالأشخاص والأماكن والأزمان، واعتقاد أنها هي السبب في بعض ما يصيب الإنسان.

ولقد حرّم الإسلام الطيرة وعدّها من الشرك، لأن المتطيّر يعتقد أن شيئًا من المخلوقات ينفع أو يضرّ، ولأن في ذلك إغفالًا للخالق سبحانه وتعالى، وثلبًا لعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر.

وفي الواقع أن التطيّر والطيرة لا تضرّ إلّا من اعتقدها، فإنك تجد معتقدها دائم الخوف قلق النفس مضطرب الفكر والرأي والتصرفات، وتجد عنده من التردّد وضعف اليقين وقلّة التوكّل وسوء الظن ما يعكّر عليه صفو حياته ويوهن عقيدته ويفتح للشيطان أبوابه (٢).

وقد تكلّم ابن رجب رحمه الله تعالى عن مسألة التطيّر وبيّن أنها من الأعمال الشركية التي كان يفعلها أهل الجاهلية، وذكر الأدلّة التي تدلّ على تحريم الطيرة والنهي عنها، فقال: "والطيرة من أعمال أهل الشرك والكفر، وقد حكاها الله تعالى في كتابه عن قوم فرعون (٣) وقوم صالح (٤)


(١) مفتاح دار السعادة (٢/ ٢٢٩).
(٢) انظر: مفتاح دار السعادة (٢/ ٢٣٠ - ٢٣١).
(٣) وهو في قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}، سورة الأعراف، آية (١٣١).
(٤) وهو في قوله تعالي: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} سورة النمل، آية (٤٧).

<<  <   >  >>