للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي خلقها الله تعالى وجعلها أسبابًا للهلاك والأذى، والعبد مأمور باتّقاء أسباب البلاء إذا كان في عافية منها، فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء أو في النار أو يدخل تحت الهدم ونحوه مما جرت العادة بأنه يهلك أو يؤذى، فكذلك اجتناب مقاربة المريض كالمجذوم، أو القدوم على بلد الطاعون، فإن هذه كلّها أسباب للمرض والتلف، والله تعالى هو خالق الأسباب ومسبّباتها ولا خالق غيره ولا مقدّر غيره.

وأمّا إذا قوي التوكّل على الله تعالى والإيمان بقضائه وقدره، فقويت النفس على مباشرة بعض هذه الأسباب اعتمادًا على الله ورجاء منه أن لا يحصل به ضرر، ففي هذه الحال تجوز مباشرة ذلك لاسيما إذا كان فيه مصلحة عامّة أو خاصة.

وعلى مثل هذا يحمل الحديث الذي خرّجه أبو داود والترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة، ثم قال: "كل باسم الله ثقة بالله وتوكّلًا عليه" (١)، وقد أخذ به الإمام أحمد، وروي ذلك عن عمر وابنه وسلمان رضي الله عنهم، ونظير ذلك ما روي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه من أكل السم، ومنه مشي سعد بن أبي وقاص وأبي مسلم الخولاني (٢) بالجيوش على متن البحر ... فهذا كلّه لا


(١) أخرجه أبو داود: كتاب الطب - باب الطيرة (٤/ ٢٣٩)، والترمذي: كتاب الأطعمة - باب الأكل مع المجذوم (١٨١٨)، وقال: حديث غريب، وابن ماجه: كتاب الطب - باب الجذام (٣٥٤٢)، والحاكم (٤/ ١٣٦)، وقال: حديث صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
(٢) أبو مسلم عبد الله بن ثوب الخولاني الداراني، قال العجلي: "تابعي ثقة، من كبار التابعين وعبادهم"، وقال ابن عبد البر: "أدرك الجاهلية وأسلم قبل وفاة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو معدود من كبار التابعين، وكان ناسكًا عابدًا، له كرامات وفضائل". توفي رحمه الله تعالي سنة ٦٢ هـ. =

<<  <   >  >>