للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أشعارهم، وكل ذلك في الحقيقة إنما يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، لأنه هو المدبّر لهذا الكون والخالق له، والمصرف لهذا الدهر، والدهر ليس له إرادة وإنما هو ظرف مخلوق مسخّر ومدبّر بأمر الله تعالى، فالسبّ والشتم في الحقيقة والتسخّط يعود إلى الله سبحانه وتعالى، واعققاد أن الزمان هو الفاعل حقيقة من عقيدة الجاهلين الذين ينفون الإله سبحانه وتعالى وينكرونه.

وقد حكى الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عقيدتهم هذه وردّ عليهم، فقال عزّ وجلّ: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤)} (١).

قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: "يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا}، أي ما ثم إلّا هذه الدار يموت قوم ويعيش آخرون وما ثم معاد ولا قيامة، وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد، وتقوله الفلاسفة والإلهيون منهم ... وتقوله الفلاسفة الدهرية الدورية المنكرون للصانع المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرّر مرات لا تتناهى فكابروا المعقول وكذّبوا المنقول، ولهذا قالوا {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}، قال الله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}، أي يتوهمون ويتخيّلون" (٢).

وقد ورد النهي عن سبّ الدهر في أحاديث كثيرة، لأن في ذلك مشابهة للمشركين، ولأن السبّ في الحقيقة إنما ينصرف إلى من بيده الأمور كلّها، وهو الله سبحانه وتعالى.


(١) سورة الجاثية، آية (٢٤).
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ١٥٠).

<<  <   >  >>