للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كشهر صفر أو غيره فغير صحيح، وإنما الزمان كلّه خلق الله تعالى وفيه أفعال بني آدم، فكل زمان شغله المؤمن بطاعة الله فهو زمان مبارك عليه، وكل زمان شغله العبد بمعصية الله فهو شؤم عليه، فالشؤم في الحقيقة هو معصية الله تعالى" (١).

فسبّ الدهر وشتمه لا يجوز بأيّ حال من الأحوال سواء اعتقد السابّ أن الزمان والدهر فاعل حقيقة أو لم يعتقد ذلك، لأن الحديث صريح في النهي عن ذلك، قال صاحب تيسير العزيز الحميد: "والحديث صريح في النهي عن سبّ الدهر مطلقًا سواء اعتقد أنه فاعل أو لم يعتقد ذلك، كما يقع كثيرًا ممن يعتقد الإسلام" (٢).

وقد بيّن ابن القيم رحمه الله تعالى أنّ من سبّ الدهر يقع في ثلاث مفاسد عظيمة، فقال: في هذا ثلاث مفاسد عظيمة:

إحداها: سبّه من ليس بأهل أن يسبّ، فإن الدهر خلق مسخّر من خلق الله، منقاد لأمره، مذلّل لتسخيره، فسابّه أولى بالذمّ والسبّ منه.

الثانية: أن سبّه متضمن للشرك، فإنه إنما سبه لظنه أنه يضرّ وينفع، وأنه مع ذلك ظالم قد ضرّ من لا يستحق الضرر، وأعطى من لا يستحق العطاء، ورفع من لا يستحق الرفعة، وحرم من لا يستحق الحرمان، وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة، وإشعار هؤلاء الظلمة الخونة في سبه كثيرة جدًا، وكثير من الجهّال يصرح بلعنه وتقبيحه.

الثالثة: أن السبّ منهم إنما يقع على من فعل هذه الأفعال التي لو اتّبع الحقّ فيها أهواءهم لفسدت السماوات والأرض، وإذا وقعت أهواؤهم حمدوا الدهر، وأثنوا عليه، وفي حقيقة الأمر، فربّ الدهر تعالى هو


(١) لطائف المعارف (ص ٧٦).
(٢) تيسير العزيز الحميد (ص ٥٤٥).

<<  <   >  >>