للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال رحمه الله تعالى يصف حال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها وعمّه أبي طالب، وما لاقاه من أذى قريش: "ثم إن أبا طالب لما توفّي وتوفيت بعده خديجة اشتدّ المشركون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى اضطرّوه إلى أن خرج من مكّة إلى الطائف، فدعاهم إلى عباده الله وحده لا شريك له، فلم يجيبوه وقابلوه بغاية الأذى وأمروه بالخروج من أرضهم، وأغروا به سفهاءهم فاصطفوا له صفّين، وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أدموه، فخرج معه مولاه زيد بن حارثة فلم يمكنه دخول مكّة إلّا بجوار، وطلب من جماعة من رؤساء قريش أن يجيروه حتى يدخل مكّة، فلم يفعلوا حتى أجاره المطعم بن عدي فدخل إلى جواره، وعاد إلى ما كان عليه من الدعاء إلى توحيد الله وعبادته. . .

وكان - صلى الله عليه وسلم - ينادي من يؤويني؟ من ينصرني؟ حتى أبلّغ رسالة ربّي وله الجنّة، فلا يجيبه أحد حتى بعث له الأنصار من المدينة فبايعوه، هذا كلّه وهو صابر على الدعوة إلى الله عزّ وجلّ على هذا الوجه راضٍ بما يحصل له فيها من الأذى، منشرح الصدر بذلك غير متضجّر منه، ولا جزع. . .

وفي الصحيح عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، هل مرّ عليك يوم كان أشدّ من يوم أحد؟ فقال: "لقد لقيت من قومك ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم وجهي، فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثعالب (١)، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني، فنظرت فإذا


(١) فلم أستفق إلّا وأنا بقرن الثعالب: أي لم أفطن لنفسي وأنتبه لحالي، وللموضع الذي أنا ذاهب إليه إلّا وأنا عند قرن الثعالب، وقرن الثعالب: هو قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد، وهو على مرحلتين من مكّة، وأصل القرن كل جبل صغير ينقطع من جبل كبير.
لسان العرب (١٠/ ٣٢١)، ومعجم البلدان (٤/ ٣٣٢).

<<  <   >  >>