ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قاله السلف؛ فقالوا لابد من إجرائها على ظاهرها، فوقعوا في التشبيه الصرف، وذلك على خلاف ما اعتقده السلف. ولقد كان التشبيه صرفا خالصا في اليهود، لا في كلهم بل في القرائين منهم، إذ وجدوا في التوراة ألفاظا كثيرة تدل على ذلك.
ثم الشيعة في هذه الشريعة وقعوا في غلو وتقصير، أما الغلو فتشبيه بعض أئمتهم بالإله تعالى وتقدس، وأما التقصير فتشبيه الإله بواحد من الخلق. ولما ظهرت المعتزلة والمتكلمون من السلف رجعت بعض الروافض عن الغلو والتقصير، ووقعت في الاعتزال وتخطت جماعة من السلف إلى التفسير الظاهر فوقعت في التشبيه.
وأما السلف الذين لم يتعرضوا للتأويل، ولا تهدفوا للتشبيه فمنهم: مالك بن أنس رضي الله عنهما؛ إذ قال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ومثل أحمد بن حنبل رحمه الله، وسفيان الثوري، وداود بن علي الأصفهاني، ومن تابعهم.
حتى انتهى الزمان إلى عبد الله بن سعيد الكلابي، وأبي العباس القلانسي، والحارث بن أسد المحاسبي، وهؤلاء كانوا من جملة السلف إلا أنهم باشروا علم الكلام، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية، وبراهين أصولية، وصنف بعضهم ودرس بعض حتى جرى بين أبي الحسن الأشعري وبين أستاذه مناظرة في مسائل من مسائل الصلاح والأصلح فتخاصما، وانحاز الأشعري إلى هذه الطائفة، فأيد مقالتهم بمناهج كلامية، وصار ذلك مذهبا لأهل السنة والجماعة، وانتقلت سمة الصفاتية إلى الأشعرية. ولما كانت المشبهة والكرامية من مثبتي الصفات عددناهم فرقتين من جملة الصفاتية.