ثم اختلف أهل الأصول في تصويب المجتهدين في الأصول والفروع.
فعامة أهل الأصول على أن الناظر في المسائل الأصولية، والأحكام العقلية اليقينية القطعية: يجب أن يكون متعين الإصابة؛ فالمصيب فيها واحد بعينه. ولا يجوز أن يختلف المختلفان في حكم عقلي حقيقة الإختلاف: بالنفي والإثبات، على شرط التقابل المذكور؛ بحيث ينفي أحدهما ما يثبته الآخر بعينه، من الوجه الذي يثبته، في الوقت الذي يثبته إلا وأن يقتسما: الصدق والكذب، والحق والباطل؛ سواء كان الاختلاف: بين أهل الأصول في الإسلام، أو بين أهل الإسلام وبين أهل الملل والنحل الخارجة عن الإسلام؛ فإن المختلف فيه لا يحتمل توارد الصدق والكذب، والصواب والخطإ عليه في حالة واحدة. وهو مثل قول أحد المخبرين: زيد في هذه الدار في هذه الساعة؛ وقول الثاني: ليس زيد في هذه ال الدار في هذه الدار في هذه الساعة. فإنا نعلم قطعاً أن أحد المخبرين صادق، والآخر كاذب؛ لأن المخبر عنه لا يحتمل اجتماع الحالتين فيه معاً؛ فيكون زيد في الدار، ولا يكون في الدار.
لعمري! قد يختلف المختلفان في حكم عقلي في مسألة، ويكون محل الاختلاف مشتركاً، وشرط القضيتين نافذاً؛ فحينئذ يمكن أن يصوب المتنازعان؛ ويرتفع النزاع بينهما برفع الاشتراك، أو يعود النزاع إلى أحد الطرفين.