ومنهم: خروسيبس وزينون وقولهما الخالص: إن الباري تعالى المبدع الأول: واحد محض هو، إن فقط، أبدع العقل والنفس دفعة واحدة، ثم أبدع جميع ما تحتهما بتوسطهما، وفي بدء ما أبدعهما، أبدعهما جوهرين لا يجوز عليهما الدثور والفناء.
وذكروا أن للنفس جرمين: جرم من النار والهواء، وجرم من الماء والأرض، فالنفس متحدة بالجرم الذي من النار والهواء، والجرم الذي من النار والهواء متحد بالجرم الذي من الماء والأرض، والنفس تظهر أفاعيلها في ذلك الجرم، وذلك الجرم ليس له طول ولا عرض، ولا قدر مكاني. وباصطلاحنا سميناه جسما، وأفاعيل النفس فيه نيرة بهية. ومن الجسم إلى الجرم ينحدر النور، والحسن، والبهاء ولما ظهرت أفاعيل النفس عندنا بمتوسطين، كانت أظلم، ولم يكن لها نور شديد.
وذكروا أن النفس إذا كانت طاهرة زكية استخصت الأجزاء النارية والهوائية، وهي جسمها، واستصحبت في ذلك العالم جسما روحانيا، نورانيا، علويا، طاهرا، مهذبا من كل ثقل وكدر. وأما الجرم الذي من الماء والأرض فيدثر ويفنى، لأنه غير مشاكل للجسم السماوي، لأن ذلك الجسم خفيف، لطيف، لا وزن له، ولا يلمس، وإنما يدرك من البصر فقط، كما تدرك الأشياء الروحانية من العقل، فألطف ما يدرك الحس البصري من الجواهر هي النفسانية، وألطف ما يدرك من إبداع الباري تعالى الآثار التي عند العقل.
وذكروا أن النفس ما هي مستطيعة، ما خلاها الباري تعالى أن تفعل، وإذا ربطها فليست بمستطيعة، كالحيوان الذي إذا خلاه مدبره أعني الإنسان كان مستطيعا في كل ما دعي إليه، وتحرك إليه، وإذا ربطه لم يقدر حينئذ أن يكون مستطيعا.
وذكروا أن دنس النفس وأوساخ الجسد إنما تكون لازمة للإنسان من جهة