أصحاب عمرو بن بحر أبي عثمان الجاحظ. كان من فضلاء المعتزلة والمصنفين لهم وقد طالع كثيرا من كتب الفلاسفة، وخلط وروج كثيرا من مقالاتهم بعباراته البليغة، وحسن براعته اللطيفة، وكان في أيام المعتصم، والمتوكل. وانفرد عن أصحابه بمسائل:
منها قوله: إن المعارف كلها ضرورية طباع، وليس شيء من ذلك من أفعال العباد. وليس للعبد كسب سوى الإرادة، وتحصل أفعاله منه طباعا كما قال ثمامة، ونقل عنه أيضا أنه أنكر أصل الإرادة وكونها جنسا من الأعراض فقال: إذا انتفى السهو عن الفاعل، وكان عالما بما يفعله فهو المريد على التحقيق. وأما الإرادة المتعلقة بفعل الغير فهي ميل النفس إليه، وزاد على ذلك بإثبات الطبائع للأجسام كما قال الطبيعيون من الفلاسفة، وأثبت لها أفعالا مخصوصة بها، وقال باستحالة عدم الجواهر؛ فالأعراض تتبدل، والجواهر لا يجوز أن تفنى.
ومنها قوله: في أهل النار إنهم لا يخلدون فيها عذابا، بل يصيرون إلى طبيعة النار. وكان يقول النار تجذب أهلها إلى نفسها من غير أن يدخل أحد فيها. ومذهبه مذهب الفلاسفة في نفي الصفات. وفي إثبات القدر خيره وشره من العبد: مذهب المعتزلة، وحكى الكعبي عنه أنه قال: يوصف الباري تعالى بأنه مريد بمعنى أنه لا يصح عليه السهو في أفعاله، ولا الجهل ولا يجوز أن يغلب ويقهر.
وقال: إن الخلق كلهم من العقلاء عالمون بأن الله تعالى خالقهم، وعارفون بأنهم محتاجون إلى النبي، وهم محجوجون بمعرفتهم. ثم هم صنفان: عالم بالتوحيد، وجاهل به. فالجاهل معذور، والعالم محجوج. ومن انتحل دين الإسلام، فإن اعتقد أن الله تعالى ليس بجسم ولا صورة، ولا يرى بالإبصار، وهو عدل لا يجور، ويريد المعاصي،