زينون الأكبر ابن ماوس من أهل قنطس. كان يقول: إن المبدع الأول كان في علمه صورة إبداع كل جوهر، وصورة دثور كل جوهر. فإن علمه غير متناه، والصور التي فيه من حيث الإبداع غير متناهية، وكذلك صور الدثور غير متناهية، فالعوالم تتجدد في كل حين وفي كل دهر، فما كان منها مشاكلا لنا أدركنا حدود وجوده ودثوره بالحواس والعقل، وما كان غير مشاكل لنا لم ندركه إلا أنه ذكر وجه التجدد، فقال: إن الموجودات باقية داثرة: أما بقاؤهما فبتجدد صورها، وأما دثورها فبدثور الصورة الأولى عند تجدد الأخرى. وذكر أن الدثور قد يلزم الصورة والهيولى معا.
وقال أيضا: إن الشمس والقمر والكواكب تستمد القوة من جوهر السماء، فإذا تغيرت السماء تغيرت النجوم أيضا. ثم هذه الصور كلها: بقاؤها، ودثورها: في علم الباري تعالى، والعلم يقتضي بقاءها دائما وكذلك الحكمة تقتضي ذلك، لأن بقاءها على هذه الحال أفضل. والباري تعالى قادر على أن يفني العوالم يوما ما إن أراد.
وهذا الرأي قد مال إليه الحكماء المنطقيون الجدليون، دون الإلهيين.
وحكى فلوطرخيس أن زينون كان يزعم أن الأصول هي الله عز وجل والعنصر فقط، فالله هو العلة الفاعلة، والعنصر هو المنفعل.
حكمه -قال: أكثروا من الإخوان، فإن بقاء النفوس ببقاء الإخوان كما أن شفاء الأبدان بالأدوية.
وقيل: رأى زينون فتى على شاطئ البحر محزونا يتلهف على الدنيا، فقال له: يا فتى! ما يلهفك على الدنيا؟ لو كنت في غاية الغنى وأنت راكب لجة البحر قد انكسرت السفينة وأشرفت على الغرق: كانت غاية مطلوبك النجاة وتفوت كل ما في يدك؟ قال نعم،