كان يقول: إن المبدع الأول هو آنية أزلية دائمة ديمومة القدم، لاتدرك بنوع صفة منطقية ولا عقلية، مبدع صور كل صفة, وكل نعت نطقي وعقلي، فإذا كان هذا هكذا، فقولنا: إن صور ما في هذا العالم المبدعة لم تكن عنده، أو كانت، أو كيف أبدع؟ ولم أبدع؟ محال، لأن العقل مبدع، والمبدع مسبوق بالمبدع، والمسبوق لا يدرك السابق أبدا، فلا يجوز أن يصف المسبوق السابق. بل نقول: إن المبدع أبدع كيفما أحب, وكيفما شاء، فهو هو ولا شيء معه. قال: وهذه الكلمة أعنى: هو ولا شيء بسيطا ولا مركبا معه، وهو مجمع كل ما نطلبه من العلم، لأنك إذا قلت: ولا شيء معه، فقد نفيت عنه أزلية الصورة والهيولى، وكل مبدع من صورة وهيولى، وكل مبدع من صورة فقط.
ومن قال: أن الصور أزلية مع آنيته فليس هو فقط، بل هو وأشياء كثيرة، فليس هو مبدع للصور، بل كل صورة إنما أظهرت ذاتها، فعند إظهارها ذاتها ظهرت هذه العوالم وهذه أشنع ما يكون من القول.
وكان تيرس والقادميون يقولان: ليست أوائل البتة، ولا معقول قبل المحسوس بحال، بل مثل بدعة الأشياء مثل الذي يفرخ١ من ذاته بلا حدث ولا فعل ظهر، فلا يزال يخرجه من القوة إلى الفعل حتى يوجد، فيكمل، فنحسه وندركه، وليس شيء معقول البتة. والعالم دائم لا يزول ولا يفنى، فإن المبدع لا يجوز أن يفعل فعلا يدثر إلا وهو داثر مع دثور فعله، وذلك محال.