وكان حكيما فاضلا متقشفا، لا يقتني شيئا، ولا يأوي إلى منزل، وكأنه من قدرية الفلاسفة لما يوجد في مدارج كلامه من الميل إلى القدر. قال: ليس الله تعالى علة الشرور، بل الله تعالى علة الخيرات والفضائل والجود والعقل. جعلها بين خلقه، فمن كسبها وتمسك بها نالها، لأنه لا يدرك الخيرات إلا بها.
وسأله الإسكندر يوما فقال: بأي شيء يكتسب الثواب؟ قال: بأفعال الخيرات، وإنك لتقدر أيها الملك أن تكتسب في يوم واحد ما لا تقدر الرعية أن تكسبه في دهرها.
وسأله عصبة من أهل الجهل: ما غذاؤك؟ قال: ما عفتم١، يعني الحكمة.
قالوا: فما عفت؟ قال: ما استطبتم، يعني: الجهل. قالوا: كم عبد لك؟
قال: أربابكم، يعني الغضب، والشهوة، والأخلاق الرديئة الناشئة منهما.
وقالوا له يوما: ما أقبح صورتك! قال: لم أملك الخلقة الذميمة فألام عليها.