إن القول في قدم العالم وأزلية الحركات بعد إثبات الصانع، والقول بالعلة الأولى إنما شهر بعد أرسطوطاليس، لأنه خالف القدماء صريحا، وأبدع هذه المقالة على قياسات ظنها حجة وبرهانا، فنسج على منواله من كان من تلامذته وصرحوا القول فيه، مثل الأسكندر الإفروديسي وثامسطيوس وفورفوريوس.
وصنف برقلس المنتسب إلى أفلاطون في هذه المسألة كتابا وأورد فيه هذه الشبه، وإلا فالقدماء إنما أبدوا فيه ما نقلناه سالفا.
الشبهة الأولى: قال: إن الباري تعالى جواد بذاته، وعلة وجود العالم جوده، وجوده قديم لم يزل، فيلزم أن يكون وجود العالم قديما لم يزل.
قال: ولا يجوز أن يكون مرة جوادا، ومرة غير جواد، فإنه يوجب التغير في ذاته، فهو جواد لذاته، لم يزل. قال: ولا مانع من فيض جوده، إذ لو كان مانع لما كان من ذاته بل من غيره، وليس لواجب الوجود لذاته حامل على شيء، ولا مانع من شيء.
الشبهة الثانية: قال: ليس يخلو الصانع من أن يكون لم يزل صانعا بالفعل، أو لم يزل صانعا بالقوة، أي يقدر أن يفعل، ولا يفعل. فإن كان الأول فالمصنوع معلول لم يزل، وإن كان الثاني فما بالقوة لا يخرج إلى الفعل إلا بمخرج، ومخرج الشيء من القوة إلى الفعل غير ذات الشيء، فيجب أن يكون له مخرج من خارج يؤثر فيه، وذلك ينافي كونه صانعا مطلقا لا يتغير ولا يتأثر.
الشبهة الثالثة: قال: كل علة لا يجوز عليها التحرك والاستحالة فإنما تكون علة من جهة ذاتها لا من جهة الانتقال من غير فعل إلى فعل، وكل علة من جهة ذاتها فمعلومها من جهة ذاتها، وإذا كانت ذاتها لم تزل فمعلومها لم يزل.