وقد جري مناظرات ومحاورات بين الصابئة والحنفاء في المفاضلة بين الروحاني المحض وبين البشرية النبوية.
ونحن أردنا أن نوردها على شكل سؤال وجواب, وفيها فوائد لا تحصى:
قالت الصابئة:
الروحانيات أبدعت إبداعا، لا من شيء لا مادة، ولا هيولى، وهي كلها جوهر واحد، على سنخ١ واحد وجواهرها أنوار محضة لا ظلام فيها، وهي من شدة ضيائها لا يدركها الحس، ولا ينالها البصر، ومن غاية لطافتها يحار فيها العقل، ولا يجول فيها الخيال.
ونوع الإنسان مركب من العناصر الأربعة، مؤلف من مادة وصورة، والعناصر متضادة ومزدوجة بطباعها. اثنان منها مزدوجان، واثنان منها متضادان, ومن التضاد يصدر الاختلاف والهرج، ومن الازدواج يحصل الفساد والمرج. فما هو مبدع لا من شيء، لا يكون كمخترع من شيء.
والمادة والهيولى سنخ الشر، ومنبع الفساد، فالمركب منها ومن الصورة: كيف يكون كمحض الصورة؟، والظلام كيف يساوي النور؟ والمحتاج إلى الازدواج، والمطر في هوة الاختلاف كيف يرقي إلى درجة المستغني عنهما؟
أجابت الحنفاء:
بأن قالت: بم عرفتم معاشرة الصابئة وجود هذه الروحانيات؟ والحس ما دلكم عليه، والدليل ما أرشدكم إليه؟. قالوا: عرفنا وجودها، وتعرفنا أحوالها من عاذيمون، وهرمس: شيث، وإدريس عليهما السلام.