الأجزاء. وأما التطهير والتهذيب فمن جهة الكل، لأنه إذا انفصلت النفس الكلية إلى النفس الجزئية والعقل الجزئي من العقل الكلي غلظت، وصارت من حيز الجرم، لأنها كلما سفلت اتحدت بالجرم، والجرم من حيز الماء والأرض، وهما ثقيلان يذهبان سفلا. وكلما اتصلت النفس الجزئية بالنفس الكلية، والعقل الجزئي بالعقل الكلي ذهبت علوا، لأنها تتحد بالجسم، والجسم من حيز النار والهواء، وكلاهما لطيفان، يذهبان علوا.
وهذان الجرمان مركبان، وكل واحد منهما من جوهرين. واجتماع هذين الجرمين يوجب الاتحاد شيئا واحدا عند الحس البصري، فأما عند الحواس الباطنة، وعند العقل فليست شيئا واحدا، فالجسم في هذا العالم مستبطن في الجرم، لأنه أشد روحانية، ولأن هذا العالم ليس مشاكلا له، ولا مجانسا له، والجرم مشاكل ومجانس لهذا العالم، فصار الجرم أظهر من الجسم لمجانسة هذا العالم وتركيبه، وصار الجسم مستبطنا في الجرم، لأن هذا العالم غير مشاكل له، وغير مجانس له. فإما في ذلك العالم فالجسم ظاهر على الجرم، لأن ذلك العالم عالم الجسم، لأنه مجانس، ومشاكل له، ويكون لطيف الجرم الذي هو من لطيف الماء والأرض المشاكل لجوهر النار والهواء مستبطنا في الجسم، كما كان الجسم مستبطنا في هذا العالم في الجرم. فإذا كان هذا فيما ذكروا هكذا كان ذلك الجسم باقيا دائما، لا يجوز عليه الدثور، ولا الفناء، ولذته دائمة، لا تملها النفوس ولا العقول، ولا ينفد ذلك السرور والحبور.
ونقلوا عن أفلاطون أستاذهم: لما كان الواحد لا بدء له، صار نهاية كل متناه، وإنما صار الواحد لا نهاية له، لأنه لا بدء له، لا أنه لا بدء له لأنه لا نهاية له.
وقال: ينبغي للمرء أن ينظر كل يوم إلى وجهه في المرآة، فإن كان قبيحا لم يفعل قبيحا، فيجمع بين قبيحين، وإن كان حسنا لم يشنه بقبيح.