للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسادس: إذ خلقني وكلفني عموما، وخصوصا، ولعنني، ثم طرقني إلى الجنة، وكانت الخصومة بيني وبين آدم؛ فلم سلطني على أولاده حتى أراهم من حيث لا يرونني، وتؤثر فيهم وسوستي ولا يؤثر في حولهم وقوتهم، وقدرتهم واستطاعتهم؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو خلقهم على الفطرة دون من يحتالهم١ عنها فيعيشوا طاهرين سامعين مطيعين، كان أحرى بهم، وأليق بالحكمة؟

والسابع: سلمت هذا كله: خلقني وكلفني مطلقا ومقيدا، وإذ لم أطع لعنني وطردني وإذ أردت دخول الجنة مكنني وطرقني، وإذ عملت عملي أخرجني ثم سلطني على بني آدم، فلم إذ استمهلته٢ أمهلني، فقلت: {أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ٣، {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ، إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} ٤. وما الحكمة في ذلك بعد أن لو أهلكني في الحال استراح آدم والخلق مني وما بقي شر ما في العالم؟ أليس بقاء العالم على نظام الخير خيرا من امتزاجه بالشر؟!

قال: فهذه حجتي على ما ادعيته في كل مسألة.

قال شارح الإنجيل: فأوحى الله تعالى إلى الملائكة عليهم السلام، قولوا له: إنك في تسليمك الأول أني إلهك وإله الخلق غير صادق ولا مخلص، إذ لو صدقت أني إله العالمين ما احتكمت علي بلم، فأنا الله الذي لا إله إلا أنا، لا أسأل عما أفعل، والخلق مسئولون. وهذا الذي ذكرته مذكور في التوراة، ومسطور في الإنجيل على الوجه الذي ذكرته.

وكنت برهة من الزمان أتفكر وأقول: من المعلوم الذي لا مرية فيه أن كل شبهة وقعت لبني آدم؛ فإنما وقعت من إضلال الشيطان الرجيم٥ ووساوسه، ونشأت من


١ يحتالهم عنها: يحولهم عنها ويصرفهم.
٢ استمهلته: سألته المهلة.
٣ الأعراف آية ١٤. وأنظرني: أخرني.
٤ الحجر: آية ٣٧، ٣٨.
٥ الرجيم: الملعون المطرود من رحمته تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>