للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان غيلان يقول بالقدر خيره وشره من العبد، وفي الإمامة إنها تصلح في غير قريش، وكل من كان قائما بالكتاب والسنة كان مستحقا لها، وإنها لا تثبت إلا بإجماع الأمة. والعجب أن الأمة أجمعت على أنها لا تصلح لغير قريش. وبهذا دفعت الأنصار عن قولهم: منا أمير ومنكم أمير. فقد جمع غيلان خصالا ثلاثا: القدر، والإرجاء، والخروج.

والجماعة التي عددناهم اتفقوا على أن الله تعالى لو عفا عن عاص في القيامة، عفا عن كل مؤمن عاص هو في مثل حاله. وإن أخرج من النار واحدا، أخرج من هو في مثل حاله. ومن العجب أنهم لم يجزموا القول بأن المؤمنين من أهل التوحيد يخرجون من النار لا محالة.

ويحكى عن مقاتل بن سليمان: أن المعصية لا تضر صاحب التوحيد والإيمان. وأنه لا يدخل النار مؤمن. والصحيح من النقل عنه: أن المؤمن العاصي ربه يعذب يوم القيامة على الصراط وهو على متن جهنم، يصيبه لفح النار وحرها ولهيبها. فيتألم بذلك على قدر معصيته، ثم يدخل الجنة. ومثل ذلك بالحبة على المقلاة المؤججة بالنار.

ونقل عن بشر بن غياث المريسي١ أنه قال: إذا دخل أصحاب الكبائر


= وبما جاء من عنده مما اجتمعت عليه الأمة، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وتحريم الميتة، والدم ولحم الخنزير، ووطء المحارم، ونحو ذلك. وما عرف بالعقل من عدل الإيمان، وتوحيده، ونفي التشبيه عنه".
"وأراد بالعقل قوله بالقدر، وأراد بالتوحيد نفيه عن الله صفاته الأزلية. قال: كل ذلك إيمان والشاك فيه كافر، والشاك في الشاك أيضا كافر، ثم كذلك أبدا".
"وزعم أن هذه المعرفة لا تكون إيمانا إلا مع الإقرار. وهذه الفرقة عند أهل السنة والجماعة أكفر أصناف المرجئة، لأنها جمعت بين ضلالتي القدر والإرجاء".
١ ينسب إلى المريس، بلدة بصعيد مصر، توفي سنة ٢١٩ ببغداد. قال عبد القاهرة البغدادي ص١٢٤ تحت عنوان "المريسة" "هؤلاء مرجئة بغداد من أتباع بشر المريسي، وكان في الفقه على رأي أبي يوسف القاضي، غير أنه لما أظهر قوله بخلق القرآن هجره أبو يوسف وضللته الصفاتية في ذلك. ولما وافقوا الصفاتية في القول بأن الله تعالى خالق أكساب العباد، وفي أن الاستطاعة مع الفعل، أكفرته المعتزلة في ذلك فصار مهجور الصفاتية والمعتزلة معا. وكان يقول في الإيمان إنه هو التصديق بالقلب واللسان جميعا؛ كما قال ابن الرواندي في أن الكفر هو الجحد والإنكار. وزعما أن السجود للصنم ليس بكفر، ولكنه دلالة على الكفر".

<<  <  ج: ص:  >  >>