ولما لم يكن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم شخص أفضل من علي رضي الله عنه وبعده أولاده المخصوصون؛ وهم خير البرية. فظهر الحق بصورتهم، ونطق بلسانهم، وأخذ بأيديهم. فعن هذا أطلقنا اسم الإلهية عليهم. وإنما أثبتنا هذا الاختصاص لعلي رضي الله عنه دون غيره، لأنه كان مخصوصا بتأييد إلهي من عند الله تعالى فيما يتعلق بباطن الأسرار. قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أنا أحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر" وعن هذا كان قتال المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقتال المنافقين إلى علي رضي الله عنه. وعن هذا شبهه بعيسى ابن مريم عليه السلام. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لولا أن يقول الناس فيك ما قالوا في عيسى ابن مريم عليه السلام لقلت فيك مقالا".
وربما أثبتوا له شركة في الرسالة، إذ قال النبي عليه السلام:"فيكم من يقاتل على تأويله كما قاتلت على تنزيله، ألا وهو خاصف النعل" فعلم التأويل، وقتال المنافقين ومكالمة الجن، وقلع باب خيبر، لا بقوة جسدانية، من أول الدليل على أن فيه جزءا إلهيا، وقوة ربانية. ويكون هو الذي ظهر الإله بصورته، وخلق بيديه، وأمر بلسانه. وعن هذا قالوا: كان موجودا قبل خلق السموات والأرض. قال: كنا أظلة عن يمين العرش، فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا، فتلك الظلال، وتلك الصور التي تنبئ عن الظلال: هي حقيقته. وهي مشرقة بنور الرب تعالى إشراقا لا ينفصل عنها، سواء كانت في هذا العالم، أو في ذلك العالم. وعلى هذا قال علي رضي الله عنه: أنا من أحمد كالضوء من الضوء. يعني لا فرق بين النورين إلا أن أحدهما سابق، والثاني لاحق به، تال له. قالوا: وهذا يدل على نوع من الشركة.
فالنصيرية أميل إلى تقرير الجزء الإلهي. والإسحاقية أميل إلى تقرير الشركة في النبوة.