للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمنهم من قال: إن المسيح هو الله تعالى.

ومنهم من قال: ظهر اللاهوت بالناسوت، فصار ناسوت المسيح مظهر الجوهر، لا على طريق حلول جزء فيه، ولا على سبيل اتحاد الكلمة التي هي في حكم الصفة، بل صار هو هو، وهذا كما يقال: ظهر الملك بصورة إنسان، أو ظهر الشيطان بصورة حيوان، وكما أخبر التنزيل عن جبريل عليه السلام: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} ١.

وزعم أكثر اليعقوبية أن المسيح جوهر واحد. أقنوم واحد، إلا أنه من جوهرين، وربما قالوا طبيعة واحدة من طبيعتين، فجوهر الإله القديم، وجوهر الإنسان المحدث تركبا تركيبا كما تركبت النفس والبدن فصارا جوهرا واحدا، أقنوما واحدا، وهو إنسان كله وإله كله، فيقال: الإنسان صار إلها، ولا ينعكس فلا يقال: الإله صار إنسانا. كالفحمة تطرح في النار فيقال: صارت الفحمة نارا، ولا يقال: صارت النار فحمة، وهي في الحقيقة لا نار مطلقة، ولا فحمة مطلقة، بل هي جمرة. وزعموا أن الكلمة اتحدت بالإنسان الجزئي لا الكلي. وربما عبروا عن الاتحاد بالامتزاج، والادراع٢، والحلول كحلول صورة الإنسان في المرآة المجلوة.

وأجمع أصحاب التثليث كلهم على أن القديم لا يجوز أن يتحد بالمحدث، إلا أن الأقنوم الثاني الذي هو الكلمة اتحدت دون سائر الأقانيم.

وأجمعوا كلهم على أن المسيح عليه السلام ولد من مريم عليها السلام، وقتل وصلب.

ثم اختلفوا في كيفية ذلك، فقالت الملكانية واليعقوبية: إن الذي ولد من مريم هو الإله: فالملكانية لما اعتقدت أن المسيح ناسوت كلي أزلي، قالوا: إن مريم إنسان جزئي، والجزئي لا يلد الكلي، وإنما ولده الأقنوم القديم، واليعقوبية لما اعتقدت أن


١ مريم آية ١٧.
٢ مأخوذ من قولهم: ادرع فلان الليل، دخل في ظلمته بمعنى أحاطت به.

<<  <  ج: ص:  >  >>