بالقول منه بالمنزلة بين المنزلتين. فسمي هو وأصحابه معتزلة. وقد تلمذ له زيد بن علي وأخذ الأصول فلذلك صارت الزيدية كلهم معتزلة. ومن رفض زيد بن علي لأنه خالف مذهب آبائه في الأصول، وفي التبري والتولي؛ وهم من أهل الكوفة؛ وكانوا جماعة، سموا رافضة. ثم طالع بعد ذلك شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حيث نشرت أيام المأمون فخلطت مناهجها بمناهج الكلام. وأفردتها فنا من فنون العلم، وسمتها باسم الكلام، إما لأن أظهر مسألة تكلموا فيها وتاقتلوا عليها، هي مسألة الكلام، فسمي النوع باسمها، وإما لمقابلتهم الفلاسفة في تسميتهم فنا من فنون علمهم بالمنطق، والمنطق والكلام مترادفان.
وكان أبو الهذيل العلاف شيخهم الأكبر؛ وافق الفلاسفة في أن الباري تعالى عالم بعلم، وعلمه ذاته، وكذلك قادر بقدرة، وقدرته ذاته، وأبدع بدعا في الكلام، والإرادة، وأفعال العباد، والقول بالقدر، والآجال، والأرزاق، كما سيأتي في حكاية مذهبه، وجرت بينه وبين هشام بن الحكم مناظرات في أحكام التشبيه، وأبو يعقوب الشحام والآدمي صاحبا أبي الهذيل وافقاه في ذلك كله.
ثم إبراهيم بن سيار النظام في أيام المعتصم كان قد غلا في تقرير مذاهب الفلاسفة وانفرد عن السلف ببدع في القدر والرفض، وعن أصحابه بمسائل نذكرها، ومن أصحابه محمد بن شبيب، وأبو شمر، وموسى بن عمران، والفضل الحدثي، وأحمد بن خابط، ووافقه الأسواري في جميع ما ذهب غليه من البدع، وكذلك الإسكافية أصحاب أبي جعفر الإسكافي، والجعفرية أصحاب الجعفر بن جفعر بن مبشر، وجعفر بن حرب.
ثم ظهرت بدع بشر بن المعتمر؛ من القول بالتولد والإفراط فيه والميل إلى الطبيعيين من الفلاسفة، والقول بأن الله تعالى قادر على تعذيب الطفل، وإذا فعل ذلك فهو ظالم، إلى غير ذلك مما تفرد به عن أصحابه.