قوى مزاجية لما بلغت إلى هذا المنتهى. فالروحانيات هي التي تتصرف في الأجسام تقليبا وتصريفا, لا يثقلهم حمل الثقيل، ولا يستخفهم تحريك الخفيف. فالرياح تهب بتحريكها، والسحاب يعرض ويزول بتصريفها. وكذلك الزلازل تقع في الجبال بسبب من جهتها. وكل هذه, وإن استندت إلى أسباب جزئية, فإنها تستند في الآخرة إلى أسباب من جهتها.
ومثل هذه القوة عديم الوجود في الجسمانيات.
أجابت الحنفاء:
وقالوا: منا يقتبس تفصيل القوى، وتجنيسها.
فإن القوى تنقسم إلى: قوى معدنية، وقوى نباتية، وقوى حيوانية، وقوى إنسانية، وقوى ملكية، وقوى روحانية، وقوى نبوية ربانية. والإنسان مجمع القوى بجملتها، والإنسانية النبوية تفضلها بقوى ربانية ومعان إلهية.
فنذكر أولا: وجه تركيب الإنسان ووجه ترتيب القوى فيه. ثم نذكر تركيب البشرية النبوية، وترتيب القوى فيها، ثم نخاير بين الوضعين: الروحاني منهما، والجسماني، وإليك الاختيار.
أما شخص الإنسان فمركب من الأركان الأربعة: التراب، والماء، والهواء، والنار، التي لها الطبائع الأربعة: اليبوسة، والرطوبة، والحرارة، والبرودة، ثم مركب فيه نفوس ثلاثة إحداها: نفس نباتية تنمو، وتتغذى، وتولد المثل، والثانية نفس حيوانية تحس، وتتحرك بالإرادة، والثالثة نفس إنسانية بها يميز، ويفكر، ويعبر عما يفكر.
ووجود النفس الأولى من الأركان وطباعها، وبقاءها بها، واستمدادها منها، ووجود النفس الثانية من الأفلاك وحركاتها، وبقاؤها بها، واستمدادها منها، ووجود النفس الثالثة من العقول البحتة والروحانيات الصرفة، وبقاؤها بها، واستمدادها منها.