للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا} ١ لأنك جهدت كل الجهد، واستعملت كل العلم حتى عملت أصناما في مقابلة الأجرام السماوية، فما بلغت قوتك العلمية والعملية إلى أن تحدث فيها سمعا وبصرا، وأن تغني عنك، وتضر وتنفع. وأنت بفطرتك وخلقتك أشرف درجة منها، لأنك خلقت سميعا بصيرا، نافعا، ضارا، والآثار السماوية فيك أظهر منها في هذا المتخذ تكلفا والمعمول تصنعا، فيالها من حيرة! إذ صار المصنوع! {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا، يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} ٢.

ثم دعاه إلى الحيفية الحقة. قال: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} ٣ {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ} ؟ ٤ فلم تقبل حجته القولية: فعدل عليه السلام عن القول إلى الكسر للأصنام بالفعل، {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} ٥، فقالوا: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} ٦ {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ٧، فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ٨، ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} ٩ فافحمهم بالفعل، حيث أحال الفعل على كبيرهم، كما أفحمهم بالقول، حيث أحال الفعل منهم. وكل ذلك على طريق الإلزام عليهم، وإلا فما كان الخليل كاذبا قط.

ثم عدل إلى كسر مذاهب أصحاب الهياكل، وكما أراه الله تعالى الحجة على قومه، قال {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} ١٠ فأطلعه على ملكوت الكونين والعالمين تشريفا له على الروحانيات وهياكلها. وترجيحا لمذهب الحنفاء على مذهب الصابئة، وتقريرا أن الكمال في الرجال، فأقبل على إبطال مذهب أصحاب الهياكل {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} ١١


١، ٢ مريم آية ٤٢، ٤٤، ٤٥.
٣، ٤ مريم آية ٤٣، ٤٦.
٥-٩ الأنبياء من آية ٥٨، ٥٩، ٦٣-٦٥.
١٠، ١١ الأنعام آية ٧٥، ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>