للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكميات مجردة عن المادة، أو كانت مخالطة بعد. فأحدث بعدهم أرسطوطاليس الحكيم علم المنطق، وسماه تعليمات، وإنما هو جرده من كلام القدماء، وإلا فلم تخل الحكمة عن قوانين المنطق قط. وربما عدها آلهة العلوم، لا من جملة العلوم، فقال:

الموضوع في العلم الإلهي: هو الوجود المطلق. ومسائله: البحث عن أحوال الوجود من حيث هو وجود.

والموضوع في العلم الطبيعي: هو الجسم، ومسائله: البحث عن أحوال الجسم من حيث هو جسم.

والموضوع في العلم الرياضي، هو الأبعاد والمقادير، وبالجملة: الكمية من حيث إنها مجردة عن المادة، ومسائله: البحث عن أحوال الكمية من حيث هي كمية.

والموضوع في العلم المنطقي: هو المعاني التي في ذهن الإنسان من حيث يتأدى بها إلى غيرها من العلوم، ومسائله: البحث عن أحوال تلك المعاني من حيث هي كذلك.

قالت الفلاسفة: ولما كانت السعادة هي المطلوبة لذاتها، وإنما يكدح الإنسان لنيلها، والوصول إليها، وهي لا تنال بالحكمة، فالحكمة تطلب إما ليعمل بها، وإما لتعلم فقط، فانقسمت الحكمة إلى قسمين عملي، وعلمي.

ثم منهم من قدم العملي على العلمي، ومنهم من أخر، كما سيأتي. فالقسم العملي هو عمل الخير، والقسم العلمي هو علم الحق. قالوا: وهذان القسمان مما يوصل إليه بالعقل الكامل، والرأي الراجح، غير أن الاستعانة في القسم العملي منه بغيره أكثر. والأنبياء عليهم السلام أيدوا بإمداد روحانية تقريرا للقسم العملي، ولطرف ما من القسم العلمي والحكماء تعرضوا لأمداد عقلية تقريرا للقسم العلمي، ولطرف ما من القسم العملي. فغاية الحكيم هو أن يتجلى لعقله كل الكون، ويتشبه بالإله الحق تعالى وتقدس بغاية الإمكان. وغاية النبي أن يتجلى له نظام الكون، فيقدر على ذلك مصالح العامة حتى يبقى نظام العالم، وتنتظم مصالح العباد، وذلك لا يتأتى إلا بترغيب وترهيب، وتشكيل، وتخييل.

<<  <  ج: ص:  >  >>