للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: إن القول الذي لا مراد له هو أن المبدع كان ولا شيء مبدع، فأبدع الذي أبدع ولا صورة له عنده في الذات، لأن قبل الإبداع إنما هو فقط، وإذا كان هو فقط فليس يقال حينئذ جهة، وجهة، حتى يكون هو، وصورة، أو حيث وحيث حتى يكون هو، وذو صورة. والوحدة الخالصة تنافي هذين الوجهين.

والإبداع هو تأييس١ ما ليس بأيس، وإذا كان هو مؤيس الأيسيات, والتأييس لا من شيء متقادم, فمؤيس الأشياء لا يحتاج إلى أن يكون عنده صورة الأيس بالأيسية، وإلا فقد لزمه إن كانت الصورة عنده أن يكون منفردا عن الصورة التي عنده، فيكون هو وصورة، وقد بينا أنه قبل الإبداع إنما هو فقط.

وأيضا: فلو كانت الصورة عنده: أكانت مطابقة للموجود الخارج؟ أم غير مطابقة؟ فإن كانت مطابقة فلتتعدد الصور بعدد الموجودات، ولتكن كلياتها مطابقة للكليات، وجزئياتها مطابقة للجزئيات، ولتغيير بتغيرها كما تكثرت بتكثرها، وكل ذلك محال، لأنه ينافي الوحدة الخالصة. وإن لم تطابق الموجود الخارج فليست إذن صورة عنه، بل إنما هي شيء آخر.

قال: لكنه أبدع العنصر الذي فيه صور الموجودات والمعلومات كلها. فانبعث من كل صورة موجود في العالم على المثال الذي في العنصر الأول، فمحل الصور ومنبع الموجودات كلها هو ذات العنصر.

وما من موجود في العالم العقلي والعالم الحسي إلا وفي ذات العنصر صورة له ومثال عنه.

قال: ومن كمال ذات الأول الحق أنه أبدع مثل هذا العنصر، فما يتصوره العامة في ذاته تعالى أن فيها الصور يعني صور المعلومات فهو مبدعه، ويتعالى الأول الحق بوحدانيته وهويته عن أن يوصف بما يوصف به مبدعه. ومن العجب أنه نقل عنه أن


١ أصل التأييس: الاستقلال والتأثير في الشيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>