وهو مبدع الشيء واللاشيء: العقلي، والفكري، والوهمي، أي مبدع المتضادات والمتقابلات المعقولة والخيالية والحسية. وقال: إن الباري تعالى أبدع الصور لا بنوع إرادة مستأنفة، بل بنوع أنه علة فقط, وهو العلم والإرادة. فإذا كان المبدع إنما أبدع الصور بنوع أنه علة لها، فالعلة ولا معلول، وإلا فالمعلول مع العلة معية بالذات، فإن جاز أن يقال إن معلولا مع العلة، فالمعلول حينئذ ليس هو غير العلة، وأن يكون المعلول ليس أولي بكونه معلولا من العلة، ولا العلة بكونها علة أولي من المعلول، فالمعلول إذا تحت العلة وبعدها، والعلة علة العلل كلها، أي علة كل معلول تحتها، فلا محالة أن المعلول لم يكن مع العلة بجهة من الجهات البتة، وإلا فقد بطل اسم العلة والمعلول. فالمعلول الأول هو العنصر، والمعلول الثاني هو بتوسطه العقل، والثالث بتوسطهما النفس، وهذه بسائط ومتوسطات، وما بعدها مركبات.
وذكر أن المنطق لا يعبر عما عند العقل, لأن العقل أكبر من المنطق من أجل أنه بسيط والمنطق مركب، والمنطق يتجزأ والعقل يتحد ويحد فيجمع المتجزئآت. فليس للمنطق إذا أن يصف الباري تعالى إلا صفة واحدة، وذلك أنه هو ولا شيء من هذه العوالم بسيط ولا مركب. فإذا كان هو ولاشيء، فقد كان الشيء واللاشيء مبدعين.
ثم قال أنبادقليس: العنصر الأول بسيط من نحو ذات العقل الذي هو دونه وليس هو بسيطا مطلقا أي واحدا بحتا من نحو ذات العلة، فلا معلول إلا وهو مركب تركيبا عقليا أو حسيا، فالعنصر في ذاته مركب من المحبة والغلبة، وعنهما أبدعت الجواهر البسيطة الروحانية، والجواهر المركبة الجسمانية، فصارت المحبة والغلبة صفتين أو صورتين للعنصر، مبدأين لجميع الموجودات، فانطبعت الروحانيات كلها على المحبة الخالصة، والجسمانيات كلها على الغلبة، والمركبات منهما على طبيعتي المحبة والغلبة، والازدواج والتضاد، وبمقدارهما في المركبات تعرف مقادير الروحانيات في الجسمانيات.