للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وربما يقول: الوحدة على الإطلاق تنقسم إلى وحدة قبل الدهر، ووحدة مع الدهر، ووحدة بعد الدهر وقبل الزمان، ووحدة مع الزمان. فالوحدة التي هي قبل الدهر هي وحدة الباري تعالى، والوحدة التي هي مع الدهر هي وحدة العقل الأول، والوحدة التي هي بعد الدهر وقبل الزمان هي وحدة النفس، والوحدة التي هي مع الزمان هي وحدة العناصر والمركبات.

وربما يقسم الوحدة قسمة أخرى فيقول: الوحدة تنقسم إلى وحدة بالذات، وإلى وحدة بالعرض. فالوحدة بالذات ليست إلا للمبدع للكل الذي منه تصدر الوحدانيات في العدد والمعدود، والوحدة بالعرض تنقسم إلى ما هو مبدأ العدد وليس داخلا في العدد، وإلى ما هو مبدأ للعدد وهو داخل فيه, فالأول كالواحدية للعقل الفعال، لأنه لا يدخل في العدد والمعدود، والثاني ينقسم إلى ما يدخل فيه كالجزء له، فإن الاثنين إنما هو مركب من واحدين، وكذلك كل عدد فهو مركب من آحاد لا محالة، وحيثما ارتقى العدد إلى أكثر نزلت نسبة الوحدة إليه إلى أقل، وإلى ما يدخل فيه كاللازم له لا كالجزء فيه، وذلك لأن كل عدد أو معدود لن يخلو قط عن وحدة تلازمه، فإن الاثنين والثلاثة في كونهما أثنين وثلاثة واحدة، وكذلك المعدودات من المركبات والبسائط واحدة إما في الجنس، أو في النوع، أو في الشخص، كالجوهر في أنه جوهر على الإطلاق، والإنسان في أنه إنسان، والشخص المعين مثل زيد في أنه ذلك الشخص بعينه واحد، فلم تنفك الوحدة من الموجودات قط. وهذه وحدة مستفادة من وحدة الباري تعالى تلزم الموجودات كلها، وإن كانت في ذواتها متكثرة. وإنما شرف كل موجود بغلبة الوحدة فيه، فكل ما هو أبعد من الكثرة فهو أشرف وأكمل.

ثم إن لفيثاغورس رأيا في العدد والمعدود قد خالف فيه جميع الحكماء قبله، وخالفه فيه من بعده، وهو أنه جرد العدد عن المعدود تجريد الصورة عن المادة، وتصوره موجودا محققا، وجرد الصورة، وتحققها. وقال: مبدأ الموجودات هو العدد، وهو أول مبدع أبدعه الباري تعالى. فأول العدد هو الواحد، وله اختلاف رأي في أنه هل

<<  <  ج: ص:  >  >>