للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة السابعة: في عدد المفارقات

قال: إذا كان عدد المتحركات مرتبا على عدد المحركات، فتكون الجواهر المفارقة كثيرة، على ترتيب أول وثان. فلكل كرة متحركة محرك مفارق غير متناهي القوة يحرك كما يحرك المشتهي والمعشوق، ومحرك آخر مزاول للحركة، فيكون صورة للجرم السماوي، فالأول عقل مفارق، والثاني نفس مزاول، فالمحركات المفارقة تحرك على أنها مشتهاة معشوقة، والمحركات المزاولة تحرك على أنها مشتهية عاشقة. ثم يطلب عدد المحركات من عدد حركات الأكر١. وذلك شيء لم يكن ظاهرا في زمانه، وإنما ظهر بعد.

والأكر تسع، لما دل الرصد عليها، فالعقول المفارقة عشرة: تسعة منها مدبرات النفوس التسعة المزاولة، وواحد هو العقل الفعال.

المسألة الثامنة: في أن الأول مبتهج بذاته

قال أرسطوطاليس: اللذة في المحسوسات هو الشعور بالملائم، وفي المعقولات الشعور بالكمال الواصل إليه من حيث يشعر به. فالأول مغتبط بذاته، ملتذ بها، لأنه يعقل ذاته على كمال حقيقتها وشرفها، وإن جل عن أن ينسب إليه لذة انفعالية. بل يجب أن يسمي ذلك بهجة، وعلاء، وبهاء. كيف ونحن نلتذ بإدراك الحق، ونحن مصروفون عنه، مردودون في قضاء حاجات خارجة عما يناسب حقيقتنا التي نحن بها ناس، وذلك لضعف عقولنا، وقصورنا في المعقولات، وانغماسنا في الطبيعة البدنية، لكنا نتوصل على سبيل الاختلاس فيظهر لنا اتصال بالحق الأول، فيكون كسعادة عجيبة في زمان قليل جدا، وهذه الحال له أبدا، وهو لنا غير ممكن، لأنا مذنبون، ولا يمكننا أن نشيم٢ تلك البارقة الإلهية إلا خطفه وخلسة.


١ الأكر: جمع أكرة مثل حفرة وزنا ومعنى.
٢ شام الشيء: تطلع إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>