ويدعى أن الذي يحكى عن أفلاطون من القول بحدوث العالم غير صحيح, قال في رسالته إلى أبانوا: وأما ما قذف به أفلاطون عندكم من أنه يضع للعالم ابتداء زمانيا فدعوى كاذبة، وذلك أن أفلاطون ليس يرى أن للعالم ابتداء زمانيا, لكن ابتداء على جهة العلة، ويزعم أن علة كونه ابتداؤه.
وقد أرى أن المتوهم عليه في قوله: إن العالم مخلوق، وإنه حدث لا من شئ، وإنه خرج من لا نظام إلى نظام فقد أخطأ وغلط، وذلك أنه لا يصح دائما أن كل عدم أقدم من الوجود فيما علة وجود شئ آخر غيره، ولا كل سوء نظام أقدم من النظام. وإنما يعني أفلاطون أن الخالق أظهر العالم من العدم إلى الوجود, وإن وجد أنه لم يكن من ذاته، لكن سبب وجوده من الخالق. قال: وقال في الهيولى: إنها أمر قابل للصور وهي كبيرة وصغيرة. وهما في الموضوع والحد واحد, ولم يبين العدم، كما ذكره أرسطوطاليس إلا أنه قال: الهيولى لا صورة لها، فقد علم أن عدم الصورة في الهيولى. وقال: إن المركبات كلها إنما تتكون بالصور على سبيل التغير، وتفسد بخلو الصور عنها.
وزعم فرفوريوس أن من الأصول الثلاثة التي هي الهيولى والصورة والعدم: أن كل جسم إما ساكن وإما متحرك، وها هنا شيء يكون ما يتكون، ويحرك الأجسام، وكل ما كان واحدا بسيطا ففعله واحد بسيط، وكل ما كان كثيرا مركبا فأفعاله كثيرة مركبة، وكل موجود ففعله مثل طبيعته، ففعل الله بذاته فعل واحد بسيط, وباقي أفعاله يفعلها بمتوسط مركب. قال: وكل ما كان موجودا فله فعل من الأفعال مطابق لطبيعته، ولما كان الباري تعالى موجودا ففعله الخاص هو الإجتلاب إلى الوجود، ففعل فعلا واحدا وحرك حركة واحدة وهو الإجتلاب إلى شبهة، يعني الوجود. ثم إما يقال كان المفعول معدوما يمكن أن يوجد، وذلك هو طبيعة الهيولى بعينها، فيجب أن يسبق الوجود طبيعة ما قابلة للوجود. وإما أن يقال لم يكن معدوما ما يمكن أن يوجد بل أوجده عن لا شيء وأبدع وجوده من غير توهم شيء سبقه، وهو ما يقوله الموحدون.