أولى. ومنه ما هو مكتسب. فالتصور المكتسب إنما يستحصل بالحد وما يجري مجراه، والتصديق المكتسب إنما يستحصل بالقياس وما يجري مجراه، فالحد والقياس آلتان بهما تحصل المعلومات التي لم تكن حاصلة فتصير معلومة بالروية. وكل واحد منهما منه ما هو حقيقي، ومنه ما هو دون الحقيقي, ولكنه نافع منفعة بحسبه، ومنه ما هو باطل مشتبه بالحقيقي. والفطرة الإنسانية غير كافية في التمييز بين هذه الأصناف إلا أن تكون مؤيدة من عند الله عز وجل، فلا بد إذن للناظر من آلة قانونية تعصمه مراعاتها عن أن يضل في فكره، وذلك هو الغرض من المنطق.
ثم إن كل واحد من الحد والقياس فمؤلف من معان معقولة بتأليف محدود. فيكون لها مادة منها ألفت وصورة بها التأليف، والفساد قد يعرض من إحدى الجهتين وقد يعرض من جهتيهما معا. فالمنطق هو الذي نعرف به: من أي المواد والصور يكون الحد الصحيح والقياس السديد الذي يوقع يقينا، ومن أيها ما يوقع عقدا شبيها باليقين، ومن أيها ما يوقع ظنا غالبا، ومن أيها ما يوقع مغالطة وجهلا، وهذه فائدة المنطق. ثم لما كانت المخاطبات النظرية بألفاظ مسموعة، والأفكار العقلية بأقوال عقلية، فتلك المعاني التي في الذهن من حيث يتأدى بها إلى غيرها كانت موضوعات المنطق. ومعرفة أحوال تلك المعاني مسائل علم المنطق. وكان المنطق بالنسبة إلى المعقولات على مثال النحو بالنسبة إلى الكلام، والعروض إلى الشعر، فوجب على المنطقي أن يتكلم في الألفاظ أيضا من حيث تدل على المعاني.
واللفظ يدل على المعنى من ثلاثة أوجه، أحدها: بالمطابقة. والثاني: بالتضمن، والثالث بالالتزام. وهو ينقسم إلى: مفرد، ومركب، فالمفرد ما يدل على معنى وجزء من أجزائه لا يدل على جزء من أجزاء ذلك المعنى بالذات أي حين هو جزء له، والمركب هو الذي يدل على معنى وله أجزاء منها يلتئم مسموعه، ومن معانيها يلتئم معنى الجملة.